لا فسوق

الاثنين - 28 أغسطس 2017

Mon - 28 Aug 2017

ينتظر العالم الإسلامي كل عام هذه الأيام المباركة، ويتسابق فيها المسلمون للعبادات وخصوصاً الحجاج. ففي بضعة أيام يتجمع الملايين من المسلمين لأداء ركن من أركان الإسلام الخمسة، وهو ركن يؤدى في بضعة أيام من عمر الإنسان وليس كغيره من العبادات المتكررة. لن نخوض في تفاصيل هذه الفريضة، فنحن دائما نغوص في صفة الحج وأحكامه وواجباته من كل عام وهي معروفة لمن بحث عنها. ولكن الهدف من كتابة هذا المقال هو دعوة للتأمل في قول الله تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».

هذه الآية التي نقرؤها دائما مع كل مناسبة حج فيها دلالة على أن الله سبحانه وتعالى يؤكد على أهمية ربط تجنب العادات السيئة بالعبادة، فالحج مع ما فيه من روحانية وقداسة إلا أنه مدرسة للأخلاق وتهذيب للنفس، وهذا جانب مهم من ديننا الإسلامي العظيم نغفل عن تحقيقه. فلو راجعنا صفات الحج لوجدنا أنه يسهل على معظم المسلمين طواف الكعبة ودعاء الله والصلاة ورمي الجمرات وغيرها من المناسك التعبدية، ولكن ربما يصعب على الكثير التحلي بأخلاق أمرنا الله بها وعادات سيئة نتخلى عنها. فلا شك أن الملايين من الحجاج يؤدون الحج بلا أخطاء من ناحية الممارسات، لكن كم منهم أداها بشروطها الأخلاقية وفهم قيمها الراسخة؟

إن توحيد اللباس وتحديد أيام وصفة الحج لجميع المسلمين بغض النظر عن خلفياتهم فيه تأكيد على أننا من طين واحد وأننا نعود لأب واحد، فلا يجب علينا التكبر أو الإحساس بالأفضلية لأن الله ميزنا في أمر زائل من صحة أو مال أو مكانة اجتماعية.

في هذه البقعة المباركة تذكير بأن الله يرانا بتقوانا لا بأي شيء آخر من الأمور الدنيوية. وفي هذه البقعة الطاهرة، ينسى الإنسان الاختلافات العرقية والتوجهات السياسية والرغبات الدنيوية فيعبد الخالق بصفاء ذهن ونقاء نفس وطهارة قلب. وفي هذا المكان المقدس، يراجع المسلم نفسه ويحاسبها ثم يتوب إلى الله ليبدأ صفحة جديدة من حياته ينوي فيها تجنب الأخطاء قدر المستطاع وفعل الخير أينما وجده، ففي الحج فرصة بشرنا بها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقال «من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

في تفاصيل الحج أرى الإسلام الذي فهمته وأجدد علاقتي به كلما راجعته ويزداد إيماني به كلما تعمقت فيه. فهو الدين الذي فيه ممارسات تعبدية مشروطة بسلوكيات أخلاقية. وهو الدين الذي أمرنا فيه بعبادة ربنا والاهتمام بعلاقاتنا البشرية والإحسان لمحيطنا من حيوان ونبات. وهو الدين الذي ينبذ التفرقة والتطرف والغرور والتكبر والكراهية ويدعو للاعتدال والتواضع والمحبة وتقبل الآخر. نعم هذا هو الإسلام الذي يجب علينا إظهاره في الحج وفي كل مناسبة دينية.

قفلة: ألم تكن خطبة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم مليئة بقيم أخلاقية سامية؟ ألم تكن موجهة لكل المسلمين من مهاجرين وأنصار وغيرهم من القبائل؟ ألم يؤكد عليهم باتباعها والتبليغ بها؟ وكل هذه الوصايا كانت في الحجة الوحيدة التي حجها صلى الله عليه وسلم.

RMRasheed@