حنان المرحبي

الأسواق بين التقنيات والأذواق

الجمعة - 25 أغسطس 2017

Fri - 25 Aug 2017

قد تلاحظ وجود تفوق كبير للمنتجات الأجنبية تقنيا وتسويقيا مقارنة بالمنتجات المحلية. نجاح هذه العلامات في قطع مسارها الدولي يعود لسبب رئيس وهو نجاحها الداخلي. ولا أعني من نجاحها الداخلي التفوق في أسواقها المحلية، فهناك علامات اكتسحت أسواق دولية رغم فشلها محليا (كبعض المنتجات الالكترونية اليابانية). ولكن ما أقصده من النجاح الداخلي هو الخلط الفريد والمتقدم الذي وصلت إليه بين مواردها وإمكاناتها (المعرفية، والتقنية، والبشرية، والأبحاث التسويقية، والمزايا الأخرى) الذي مكنها من إخراج أصناف عالية الجودة والأداء لمنتجات تلائم احتياجات شريحة واسعة من المستهلكين من شتى أنحاء العالم متجاوزة الحدود الثقافية والجغرافية.

أما العلامات التجارية المحلية الناجحة فهي بالعادة تشمل الصناعات التي تقوم على مقابلة الأذواق الشعبية للبلد؛ كالإعلام والمطاعم والأغذية والأثاث والمنسوجات، أو التي تقوم على سد احتياجات ماسة وطارئة لا يلزمها تقنية أو معرفة معقدة كالصناعات الأولية وخدمات المقاولات. وهي بالبداية تحاول الانتشار محليا وقد تحدث زحاما وضجة بدلا من أن تصنع ثروة حين تدخل أسواق مشبعة بمنتجات مماثلة في الأداء والجودة والسعر.

صناعة مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، كنموذج، لديها المقدرة للوصول إلى كل مكان بالعالم فالكل يبحث عن الجمال، ولكنها محكومة بعاملين مهمين: مدى تقدم صناعة هذه المستحضرات (لتتمكن من المنافسة) وحجم فئة متوسطي الدخل بالبلد المستهدف (نظرا لارتفاع أسعارها فإنه يصعب ترويجها لمحدودي الدخول).

تعود أصول هذه الصناعة إلى أوروبا وأمريكا وكانت بداية انطلاقتها في منتصف القرن التاسع عشر. الأقدمية منحت الأوروبيين الأسبقية في بناء المعرفة وتطوير الجودة فيها. وقد عزز هذا التراكم المعرفي قدرة العلامات التجارية الأوروبية كالفرنسية على دخول الأسواق الدولية والمنافسة وكسب ثقة المستهلكين بمجرد ذكر بلد الصناعة. لهذا فهي منافس قوي للمنتجات المحلية الجديدة أو الناشئة بصناعة الجمال لتقدمها تقنيا وتسويقيا.

وبالرغم من تفوق العلامات الأوروبية، إلا أنها ظلت تواجه تحديا يتعلق بأصناف المنتجات التي تلائم الأذواق المحلية المعقدة. على سبيل المثال، يخلق اختلاف مفهوم الجمال من بلد لآخر اختلافا في إقبال الناس على أصناف معينة من المنتجات دون غيرها. بالخليج العربي مثلا، هناك قبول واسع لمستحضرات العناية بالبشرة كمنتجات الترطيب والتفتيح، ويوجد أيضا قبول كبير لمستحضرات تلوين الشفاه والجفن كالأرواج والظلال، ولكن الأمر يختلف في الصين مثلا، فإقبال الناس على مستحضرات تلوين الوجه أقل بكثير من إقبالهم على مستحضرات العناية بالبشرة. وهذا التحدي الثقافي يشكل فرصة للصناعة المحلية والتي تعد أكثر قربا وقدرة على فهم أذواق وطموحات المستهلك المحلي والسبق بتطوير منتجات قادرة على الوصول إليه قبل المنتجات الأجنبية.

وتقدم صناعة الإعلام المحلية نموذجا مثاليا لتفوق الأذواق على التقنيات على الرغم من ضعف أداء وجودة الإنتاج المحلي مقارنة بالدولي. والسبب يعود إلى قدرة الإعلام المحلي على تكوين معرفة معقدة بالأذواق الشعبية والسبق في تصميم منتجات «برامج ومسلسلات» أقرب للقيم والثقافة المحلية، لا تملك الأجنبية أي قدرة للمنافسة فيها. ولو حاول براند فرنسي للعطور تحدي أبخرة العود السعودية بتنزيل منتج عالي الجودة للعود وتسويقه باحترافية فلن يصل بسهولة للأصالة والعمق الثقافي والفلسفي المترسخ بأذهان السعوديين حول صناعة العود المحلية.

@hanan_almarhabi

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال