مرزوق تنباك

تسكت الأقلام وتتحدث الأرقام

الثلاثاء - 22 أغسطس 2017

Tue - 22 Aug 2017

عندما تتحدث الأرقام تسكت الأقلام، وكلام الأرقام اليوم في منتهى الوضوح والدقة والبيان الذي كنا إلى عهد قريب لا نحققه كثيرا في مطالبنا وفي ادعاءاتنا كنا نناقش بعض مشكلات المجتمع بتصور عام ورؤية غير دقيقة، ونتحدث عن قضايا قلما نقيم الدليل عليها حتى وإن كانت مما يحسه الناس ويشعرون بوجوده ويطلبون حلولا له، أما مشكلة اليوم فستكون الأرقام هي الناطق الفصيح المعبر عن حقيقة الواقع الذي نتحدث عنه وعن تفاصيله الدقيقة التي تعتمد على الإحصاء، تقول هيئة الإحصاء إن عدد الباحثين عن العمل من المواطنين تجاوز تسعمئة ألف شخص، وهو عدد كبير إذا نسبناه إلى عدد المواطنين في سن العمل، وإن نسبة النساء إلى الذكور تجاوزت 56% وهي معلومة مهمة لسببين توثيقها من جهة رسمية وخطورتها على مستقبل الشباب الذين تخرجهم الجامعات والمدارس ويتوجهون إلى سوق العمل الذي بدأ يشح كثيرا على غالبية من يتوجه إليه من الجنسين، ولا سيما عمل المرأة المحدود في قطاعات ضيقة جدا، رغم أن النساء أكثر عددا وأكثر تعليما وأكثر حاجة إلى العمل الذي يستطعن القيام به، كما تأتي نسبة البطالة بين المؤهلات منهن عالية وهن أغلب طلاب الجامعات وأداء من أتيح لها العمل منهن يتصف بالدقة والانضباط أكثر من الرجال في الوظائف التي توكل إليهن، ولا يمكن أن نتجاوز مشكلة عمل المرأة والعراقيل التي توضع في طريقها ونحن نتحدث عن تنمية اجتماعية موسعة ما دام نصف المجتمع معطلا، بينما الحاجة تدعو إلى أن تترك للناس فرص العمل مفتوحة دون قيود ولا تحديد، كما أن البطالة نالت حتى الرجال وقد أشارت الإحصاءات إلى أن بعض طالبي العمل أمضوا أكثر من 14 سنة وهم يبحثون عن فرصة عمل لم يجدوها.

ولكن ليس هذا هو الموضوع رغم أهميته، الموضوع الأكثر أهمية أن عدد حاملي الدرجات العليا ماجستير ودكتوراه من الجنسين بلغ أكثر من خمسة آلاف لم يجدوا عملا، وبطالة حاملي الشهادات العليا أو انتظارهم الطويل ينذر بمواجهة خطيرة إن لم نعالج أسبابها ونبحث عن حلول لها في القريب العاجل قبل أن تتسع الهوة ونعجز عن الحل.

بدأ شبح البطالة يطل على المجتمع بصورة مرعبة كما هو الحال في المجتمعات الأخرى، ذلك أننا لم نعتد على خطورة البطالة ولا آثارها، ولم نجرب قسوتها على الذين لا يجدون عملا عندما يحين طلبهم للعمل سواء كان القادمون إلى سوق العمل من الشباب أو العائدين إليه بعد انقطاع عنه، الأمر الثاني عدم الشعور والتفاعل وتقدير خطورة بطالة المواطنين في حين أننا نعرف مدى اتساع مجالات العمل وحاجة السوق لملايين العاملين الذين يأتون من شتى بقاع المعمورة، وقد غفلنا عن الفارق النوعي بين طلاب العمل المواطنين وطلاب العمل القادمين من خارج الحدود من حيث المجال الذي يعمل فيه القادمون والمجال الذي يريده المواطنون واختلاف الحال بينهما.

كما أن العامل الثالث المهم جدا هو أن توصيف البطالة وتوقع آثارها مهمل في الدراسات المستقبلية عندنا ولم يكن لدى عامة الناس ولا حتى الخاصة منهم تصور مدروس لنتائج البطالة وما يترتب عليها من مشكلات وأزمات لا سمح الله عند تفاقمها.

إن هاجس البحث عن عمل صار مقلقا للشباب القادمين إلى سوق العمل، وهم أعداد كثيرة يزدادون كل عام وبتراكم عددي متضاعف، فكل عام سيزداد القادمون إلى طلب العمل ولن تكون الحلول سهلة إلا حين نتبع خططا طويلة المدى ونضع استراتيجية مستقبلية ونلتزم بتنفيذ ما نخطط له دون تهاون ولا تأجيل.

Mtenback@