محمد حطحوط

فتوى ابن عثيمين المتقلبة

الاحد - 20 أغسطس 2017

Sun - 20 Aug 2017

قبل أشهر جمعني غداء في بيت أكاديمي بجامعة الملك سعود، وكان من ضمن الحضور دكتور من الطلاب المقربين لابن عثيمين رحمه الله. هذا الرجل عاش سنوات في أمريكا في بعثة تابعة لإحدى الجامعات السعودية، وكان قبل الذهاب مترددا كثيرا، نظرا لأن الفتوى السائدة وقتها حرمة الذهاب لديار غير المسلمين إلا للضرورة القصوى. يقول الرجل: استشرت أحد المشايخ في هيئة كبار العلماء، وكان يميل لعدم الذهاب فزادني حيرة من أمري، وقررت شد الرحال من الرياض للقصيم وأخذ الرأي النهائي من ابن عثيمين. وصلت لبيته واستقبلني بحفاوة كعادته ثم طرحت عليه الأمر فقال دون تردد: اذهب.. فمثلك ينفع الله به. وبالفعل حزمت أمتعتي إلى واشنطن، لكنني طلبت من الشيخ الكريم أن يخصص لي ساعة كل شهر أسأله عما يشكل علي من مسائل الغربة، لأن لها أحكامها الخاصة.

يضيف الرجل: للعالم الجليل ابن عثيمين فتوى شهيرة مدونة في كتبه ويعرفها طلابه بتحريم أخذ الجواز الأمريكي، وله في ذلك أسبابه ووجهة نظره الشرعية، وهي موجهة لمواطن عربي رزق بمولود في أمريكا، حيث يكفل له القانون أخذ الجواز، وهذا يعني الجنسية الأمريكية وجميع استحقاقات المواطنة هناك. وهي قضية كانت ساخنة للنقاش وقتها، ولكن بعد مكوثي - يقول صاحبنا - بالغربة سنوات، وإدراكي للفوائد التي يكفلها لك القانون بمجرد حصولك على الجواز، مقابل وضعك على فيزا أو حتى بطاقة خضراء (جرين كارد)، شرحت للشيخ الراحل كل هذه المزايا خصوصا للمسلمين هناك ومن أوصلهم القدر للعيش في هذه البلاد. بعد مكالمة مطولة مع ابن عثيمين قال لي بالحرف الواحد: هنا، وبناء على ما قلت يجوز أخذ الجواز الأمريكي وقد يصل الأمر للوجوب!

لاحظ كيف تغير الأمر من حرام إلى حلال بل ربما تأثم لو لم تفعله! وهذا يقود لمشكلة كبرى يعاني منها المشايخ إلى هذا اليوم، وهي أن كثيرا من الفتاوى - التي تتحول لترند في تويتر - تظهر بناء على تصور الشيخ للواقع، الذي غالبا يرسمه له طلابه الملتفون حوله ومريدوه. وهذا لا يعفي العالم من تحمل المسؤولية، ويجب عليه نقض الفتوى مباشرة عند تبين الصواب كما فعل ابن عثيمين رحمه الله، ولكن الأهم من هذا كله لكل مغترب حول العالم: التزم بفتوى علماء أهل البلد، الذين تثق بدينهم وعلمهم، فهم أعلم الناس بواقعه وتغيراته وتقلباته، لأن الفتوى تختلف بتغير المكان والزمان حلالا وحراما، والشافعي رحمه الله تغيرت فتاوى له كثيرة بمجرد وصوله لمصر.