عبدالله المزهر

أنا الأسطى العظيم أيها الدهماء والرعاع!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

السبت - 19 أغسطس 2017

Sat - 19 Aug 2017

أستاذ كلمة أصلها أعجمي وتعني الماهر في الأمر، مفردها أستاذ وتجمع على: أستاذين وأَساتذة وأَساتيذُ، ومؤنثها: أُستاذة، والجمع للمؤنث: أُستاذات.

وقد قيل إنها لا تطلق إلا على من أتقن اثني عشر علما كالنحو والصرف والبيان والبديع والمعاني والآداب والمنطق والكلام والهيئة وأصول الفقه والتفسير والحديث.

وكما هو واضح من الأسطر السابقة فإنه يفترض ألا تطلق في هذا العصر إلا على «قوقل»، الذي نقلت منه تلك الأسطر.

ولكن الأمر توسع كثيرا فأصبح الجميع أساتذة في كل فن، والحقيقة أنني حين أكتب تغريدة أو مقالا ثم يرد علي أحدهم مبتدئا بكلمة «أستاذ» ينتابني شعور بشيء من الإعجاب بتواضعي الذي يجعلني أحادث الدهماء والعامة والرعاع غير الأساتذة دون أن أشعرهم بأنهم كذلك. وادعاء التواضع شيء أحقر من الغرور ـ كما تعلمون ـ وهذا الإحساس خطير لأنه يترافق مع إيمان مطلق لا يخالطه شك ولا ريب في أني الوكيل الحصري للحقيقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

والمشكلة أنه شعور متعد، لا يقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام بشكل عام، بل أحيانا أنظر إلى أبنائي وزوجتي وأهلي وأحسدهم لأنهم يعرفون أستاذا عظيما مثلي ويعيشون معه بينما مليارات من البشر لم يحظوا بهذا الشرف العظيم.

والخطوة التالية لتعاطي هذه الجرعة من الوهم هي محاولة الانفصال عن الواقع والابتعاد عن الأشخاص الذين يفسدون علي هذه النشوة، لأنهم يعرفونني ويعرفون حقيقتي وأني في حياة أخرى لم أكن «لأسرّح ثنتين من الغنم».

لكن الأمر المطمئن حتى هذه اللحظة أن الحظ يتجنبني فلم أكن مسؤولا ولم أتول أي منصب رفيع لأن هذه الحالة التي يسببها الإفراط في تناول جرعات من «الأستذة» إن رافقها منصب كانت وبالا على المريض وعلى العالمين. وسأبطش بالدهماء والرعاع الذين لا يؤمنون بأستاذيتي.

والغريب أن كلمة «أسطى» تحمل ذات المعنى، وهي فيما يبدو تحريف لكلمة أستاذ، ولكن ليس لها نفس المفعول الدوائي، ولذلك تبدو وكأنها شتيمة حين تقال لأستاذ مثلي.

وعلى أي حال..

ما يهون علي الأمر أن الحالة عامة والوباء منتشر و«حشر مع الناس عيد» كما يقال، فهذا زمن ينقرض فيه المتعلمون، ويتكاثر فيه «الأسطوات»، وسيأتي على الناس يوم لا يجد فيه العالم مكانا ينفق فيه علمه.

agrni@