19 أغسطس الذكرى الحزينة للرحلة 163

الجمعة - 18 أغسطس 2017

Fri - 18 Aug 2017

"أخبرهم بألا يقوموا بالإخلاء" كانت هذه آخر العبارات التي سجلها الصندوق الأسود لقائد طائرة "ترايستار" قبل ملامسة عجلاتها الأرض بـ 33 ثانية، وتحترق في حادثة لم ينج منها أحد، والتي فسرها البعض بحرص القائد على الهبوط والخروج الآمن والطبيعي من الطائرة، فالإعلان قبل الهبوط سوف يزيد من حالة الفوضى في مقصورة الركاب.

في مثل هذا اليوم من العام 1980، حصلت الحادثة الشهيرة لطائرة "ترايستار" التابعة للخطوط الجوية العربية السعودية التي اندلعت فيها النيران، وراح ضحيتها 301 شخص من ركاب وملاحين، لتسجل الرحلة 163 كواحدة من أكبر حوادث الطيران المدني احتراقا، وثاني أكبر حادثة طيران فردية.

ووقفت تقارير الطيران المدني حائرة أمام تناقض النتائج وغموض المعلومات وندرة الدراسات والتقارير الخاصة بها، إلا أن الزميل منصور العساف أعاد قراءة الحدث من جديد وحاول الاستقصاء حول أسباب الحادثة وألف كتابه بعنوان

"الرحلة 163".

• توقفت الطائرة في مطار الرياض بعد أن قدمت من مدينة كراتشي الباكستانية، لتستأنف رحلتها رقم 163 إلى جدة وذلك عند الساعة التاسعة وثمان دقائق مساء.

• بعد سبع دقائق من الإقلاع، صرح مهندس الرحلة القابع بمقعده خلف قائد الطائرة ومساعده في قمرة القيادة بأن ثمة دخانا عند باب الأمتعة الخلفي (ب).

• ثم اكتشف انبعاثه أيضا من المنطقة (أ).

• خرج المهندس الجوي ليتأكد منها، وعادة ليحمل النبأ المرعب: "نعم، توجد لدينا نيران هناك".

• بدأ العمل أكثر تسارعا، ويطلب القائد من مساعده الاتصال بمركز المراقبة الجوية بمحطة الرياض لإبلاغهم بعودتهم وإعلانهم حالة الطوارئ.

• وفي هذه اللحظات أو قبلها بقليل شعر الركاب بوجود الحريق داخل الطائرة، بل من المؤكد أن الركاب في المنطقة الخلفية من الطائرة شاهدوا الدخان ينبعث من مخزن الأمتعة أسفل الطائرة، ثم شاهدوا ألسنة اللهب وهي تغزو مقاعدهم.

• بدأت الأسئلة والدهشة تتملك الركاب في منطقة الوسط والأمامية، فحاولوا الاستفسار والالتفات إلى الخلف، حتى بدأت أصوات الركاب تتصاعد من ذيل الطائرة، وأدرك الجميع حينئذ خطورة الموقف.

• ازداد المشهد صعوبة، فالطائرة معلقة بين الأرض والسماء يتزاحم فيها الركاب ويهرولون إلى مقدمتها خوفا.

• بعد إقلاعها بـ 12 دقيقة، طلب قائد الطائرة الكابتن محمد الخويطر العودة مجددا إلى المدرج وأبلغ برج المراقبة عن وجود حريق في آخر مقصورة الركاب، وتصلب الذراع الخاص بالمحرك رقم 2 الموجود في ذيل الطائرة.

• هنا أعلن طاقم الملاحين أن على الركاب الاستعداد للهبوط الاضطراري، وجاء النداء على النحو التالي "نحن على وشك الهبوط أيتها السيدات والسادة، ضعوا أيديكم خلف رؤوسكم ورؤوسكم بين ركبكم استعدادا للارتطام".

• استطاع الخويطر أن يعيد الطائرة وينزلها إلى أرض المطار نزولا طبيعيا رغم سرعتها وتعطل أحد محركاتها واشتعال النار في مجموعة الذيل ومقصورة الركاب.

• هبطت الطائرة، وتكدس الركاب في مقدمتها وقطعت الطائرة المدرج الرئيس، ثم استدارت بشكل كامل لتتوقف في نهايته وتحترق.

• هنا انتهى كل شيء، فقد توفي الجميع في مقاعدهم، وتوفي قائد الطائرة وسماعة جهاز الاتصال ما تزال في يده، وذكر شقيقه لاحقا أنهم لم يستطيعوا في المستشفى انتزاعها، فدفنت مع جثمانه.

لم تكن رحلته

محمد زارع، أحد موظفي الخطوط، كان في مغرب ذلك اليوم في مطار الرياض بصحبة عائلته، وحاول البحث عن أقرب رحلة إلى جدة، فتم إدراجه في الرحلة 163، إلا أنه حاول البحث عن رحلة أخرى، وبحكم عمله في الخطوط طلب من زملائه السعي لتحقيق ذلك، وفعلا أدرج اسمه بإحدى الطائرات الخاصة التابعة لأحد رجال الأعمال.

غفوة الانتظار

والموظف الآخر في الخطوط نبيل رضوان، طلب من زملائه إلحاقه بأقرب رحلة إلى جدة، وأدرج اسمه من بين ركاب الرحلة 163، وبعد أن ضمن مقعده فضل أن يستريح في المصلى، وقبل الإعلان الداخلي عن موعد صعود الطائرة، كان نبيل قد غرق في إغفاءة ما كان له أن يقاومها أو يتغلب عليها، حتى أقلعت الطائرة.

إغفاءة نبيل رضوان أعطت الإعلامي طلعت أبي الجبال فرصة للحاق بالرحلة، وبالفعل أدرج اسمه ضمن قائمة الركاب وصعد معهم إلى الطائرة.

الأقدار النافذة

• انزعجت سيدة من طول انتظارها، وهمت بالخروج من الصالة، ولأن موعد صعود الطائرة قد اقترب، فقد طلب مسؤول الحركة من أحد الأطفال اللحاق بتلك المرأة ويخبرها بعد مغادرة الصالة، فموعد الإقلاع اقترب وخروجها ربما يفوت عليها فرصة اللحاق بالرحلة 163.

هنا استجابت المرأة وصعد الجميع إلى الطائرة، فكان آخر العهد بها وبالطفل الذي أعادها.

• في نفس يوم الحادث، استقبل مطار الرياض طائرة سعودية قادمة من طهران، هبطت "ترانزيت" على أن تكمل رحلتها إلى جدة، ونزل قرابة 23 راكبا إيرانيا، وكانت الصالة تكتظ بالمسافرين، مما دعا مشرف الصالة إلى توجيه معظم العوائل المسجلة بالرحلة 163 إلى الطائرة التي قدمت قبل ساعتين من طهران، وفعلا نجا عدد كبير من النساء والأطفال.

• بعد أن نقل مشرف الصالة معظم العوائل إلى الطائرة القادمة من طهران، بقيت مقاعد شاغرة في الرحلة 163، وألحق بها عدد كبير من المسافرين، رغم أن حجوزاتهم لم تكن عليها من الأساس، إلى جانب الركاب الإيرانيين الذين كان من المزمع أن يواصلوا رحلتهم إلى جدة من خلال الطائرة التي أقلتهم من طهران.

بيع الطائرة

منذ الحادثة، بقيت الطائرة قرابة 20 عاما في المكان الذي نقلت إليه، حتى اشتراها رجل الأعمال طلال العتيبي من الخطوط الجوية العربية السعودية، التي باعتها ب 10 آلاف ريال.

وعندما بدأ العتيبي في فك أجزاء الطائرة للاستفادة منها بإعادة تدويرها لتصنيع المعدات، وجد بداخلها بقايا أعضاء بشرية، وحليا نسائية، وأقلاما، وأموالا محترقة وبطاقات مسؤولين.

على خطى الأب

بعد مرور 17 عاما على الحادثة، التحق ريان الخويطر (ابن قائد الطائرة)، بمعهد الطيران التابع للخطوط الجوية العربية السعودية. درس وتدرب ريان سنوات عدة، وتدرج في مناصبه، حتى أصبح قائد طيار على طائرة الايرباص 320(111).

ولم تتهيأ له قيادة الطائرة الترايستار التي كان حريصا على الطيران بها.