آلاء لبني

عاملني بحقوقي لا بشكلي

الخميس - 17 أغسطس 2017

Thu - 17 Aug 2017

الكثير قرأ خبر طرد مريضة بالسرطان من مدينة ملاهي في جدة، بعدما خلعت حجابها وكشفت عن شعرها المتساقط لتقوم مشرفة الأمن بطردها بحجة أن قصة شعرها غريبة وتتهجم عليها وتشتمها وتمنعها من ارتياد الألعاب مع أطفالها، ولم تكتف بهذه المعاملة، بل استدعت مديرة الأمن التي أساءت معاملتها هي الأخرى وأصرت على طردها.

الخبر محزن، يا ترى كيف كان حال الأطفال وهم يسمعون التهجم على والدتهم المريضة، لماذا نبالغ في القسوة مع كل مختلف عنا؟ إلى متى نظل نصدر الأحكام على الناس بسبب صورهم وأشكالهم؟

من وجهة نظري، الطرد سلوك غير أخلاقي ولا مبرر له، وإن لم تكن تلك المرأة مصابة بالسرطان بل كانت متبعة لأحد الموضات فليس لدى موظفات الأمن أي حق بطردها بما أنها لم تؤذ أحدا أو تعتدي على أحد، متى نكف عن تصنيف الناس حسب ألوانهم وأعراقهم وأشكالهم لنتقبلهم، الاضطهاد والعنصرية وإقصاء الناس وتعنيفهم لاختلافهم عنا نزعة جاهلية بغيضة وخلاف رسالة الرحمة والرأفة وقيم ديننا.

ما هو دور أصحاب الملاهي أو المنشأة؟ أليس من المفترض أن يتم تدريب العاملين على أساليب التعامل مع الزوار، فلا أعتقد أن صاحب التجارة لا يرضى أن يهرب عملاؤه بسبب سوء معاملة موظفيه! أو يقبل بتدني سمعته، بل على العكس كل المراكز التجارية والمجمعات تسعى للتباهي بأنشطة وفعاليات مسؤولية مجتمعية!

أود أن أروي قصة شخصية بتفاصيلها في ذات السياق، وكيف تفتقر بعض الأماكن الترفيهية والقطاعات المختلفة لمعايير المساواة والتعامل الراقي بدافع التصنيف وتقبل أشكال الناس.

اصطحبت أولادي وأختي المصابة بمتلازمة داون لأحد الأسواق التجارية الكبرى بجدة، وبينما كان أولادي مستغرقين في اللعب كانت أختي تصعد درج أحد الألعاب بصعوبة لخوفها من السلالم، ولكن بذات الوقت تحب الألعاب بأنواعها، بينما كنت أراقبها من بعد، وجدت العامل لم يقدم أي مساعدة لها للنزول من السلالم بعد انتهاء اللعبة، بل كان ينظر نظرات استحقار، هرعت إليها لمساعدتها. بعد برهة أرادت أن تلعب ذات اللعبة مرة أخرى، رفض العامل بقوة، وحين رجعت للمسؤولة واستفسرت عن السبب أوضحت أنه يقول: أرادت أن تؤذي نفسها! وهذا ما لم يحدث إطلاقا، وبعد إصراري على حقها في اللعب اشترطت علي أن أصعد معها، وافقت واكتفيت بقول: أتصدقينه وتكذبينني هل تعتقدين أني لا أخاف على سلامتها وأن العامل أكثر حرصا عليها مني؟ وإذا بالعامل يرفض حتى التأكد من سلامة وإحكام إغلاق المقعد وينظر باحتقار لها، هنا رفضت أن ينتهك حقوقها، وأن لا تعامل بمساواة كأقرانها من الأطفال، وصعدت الموقف عليه وعلى المسؤولة التي كانت في قمة السلبية وتبرر بكل الوسائل، فأخبرتها بقولي «إن عملك يستوجب إرضاء العملاء، وأخذ الحق لمن له الحق، لا تعتقدي أني عنصرية وأمارس تسلط على عامل ضعيف، بل هو من مارسها على أختي، وجهله بأسلوب التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة تتحمله المنشأة والإدارة التي يعمل فيها لتقصيرهما في التدريب»، إلى أن قلت لها «أنت حامل، لو رزقت طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة هل تسمحين بأن يهينه أحد، نظرت إلي وكأني حركت فيها أمرا لم تفكر فيه مسبقا وتحولت لإنسانة أخرى ترغب في أن تمسك بأختي وتأخذها لتلعب، وجعلت العامل يقدم اعتذاره وتحول من نظرة الاحتقار لنظرة الحمل الوديع لخوفه من القصاص من راتبه»، وقالت «المفروض أن تلعب مجانا فهذه النظام لدينا» فقلت «لا داعي، فهي تلعب على حسابنا، ولكن أمانة في عنقك أوصليها على لساني للمسؤولين: علموا موظفيكم كيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة».

أختي رفضت أن تلعب ذات اللعبة، لأنها شعرت بالانزعاج واستاءت من منعها وبكت فهي كائن حي مثل باقي البشر، ما جعل المسؤولة تغير موقفها إحساسها أنها يمكن أن تكون أما لمثلها! للأسف أمر محزن ألا نشعر بحقوق الناس ما لم يلامس دائرة واقعنا.

لأصحاب المنشآت والقطاعات التي تخدم مختلف شرائح المجتمع من منطلق الأمانة والواجب الاجتماعي دربوا موظفيكم على حسن التعامل ولين الجانب والابتسامة وتذكروا أن مراقبة الموظفين في اتباع نهج القوانين مرهون بالمتابعة الدؤوبة لمستوى الخدمات المقدمة.

Alalabani_1@