عبدالله الجنيد

طأفنة المسألة السياسية

الأربعاء - 16 أغسطس 2017

Wed - 16 Aug 2017

بالتأكيد أن توجيه رسالة تحمل تواقيع عشرة من الحائزين على جائزة نوبل للسلام، يتقدمهم رمز التسامح الإنساني الأسقف ديزموند توتو، لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تسترحمه في أمر حكم الإعدام بحق مجموعة من الإرهابيين ذات الانتماء الطائفي الشيعي تستوجب الاستنكار لا الاستحسان. لأن المجموعة تبنت موقفا مسبقا قائما على أساس التمييز الطائفي دون استبيان تاريخ مثل هذا النوع من الأحكام في المملكة العربية السعودية.

نحن هنا لا نتناول الموقف الأخلاقي من عقوبة الإعدام بل طأفنة الموقف الأخلاقي سياسيا من قبل هذه المجموعة بمن فيهم الأسقف توتو وشيرين عبادي لما يمثلون من شخصيات اعتبارية. فالتعاطي المسؤول والقانوني مع ظاهرة الإرهاب تستوجب تقديم سلامة المجتمع وضمان أمنه في أي دولة وفي كل الظروف. أما اقتصار التعاطي من منظور الانتماء الطائفي لمرتكبي جرم إرهابي في حق مواطنين عزل لم يكونوا طرفا في صراع مسلح ارتآه هؤلاء مع الدولة، لذلك، فإنه تجاوز غير مقبول على كل القيم الإنسانية. ولن يفوتنا هنا التشريع الألماني الأخير والذي يجرم حتى الدفاع عن المنتسبين لداعش أمام القضاء الألماني. ذلك أيها السيدات والسادة هو الموقف الأخلاقي قبل القانوني في التعاطي المسؤول واللازم مع ظاهرة الإرهاب وثقافته، إلا إن كان الإرهابي الشيعي من وجهة نظركم إنسانا فوق القانون.

هذا الاجتهاد العبثي في حقيقته هو جزء من حملة اغتيال معنوي للمملكة العربية السعودية من قبل مؤسسات وأفراد تدعي السمو الإنساني وتأتي على خليفة نجاح عملية أمنية كبرى حققها الأمن السعودي في العوامية بالقطيف. وما هذه الرسالة إلا امتداد لحملات إعلامية فاشلة مدفوعة الأجر من قبل طرف ثالث يستهدف المساس بالشخصية الاعتبارية للمملكة العربية السعودية إعلاميا. حقيقة، كلنا كان يتمنى لو سألت هذه المجموعة أحد مواطني العوامية عن موقفه قبل وبعد تطهير تلك البؤر الإرهابية مثل د. لمياء البراهيم، أو أن تعطى الفرصة لإطلاعهم على عدد محاولات الاغتيال التي طالت عائلتها وشخصيات مدنية أخرى في القطيف. لكن على ما يبدو أن هذه المجموعة ارتأت أن الفرز في ماهية الجريمة على أساس طائفي يعد مقبولا أخلاقيا.

هل يجب أن نستهجن أو نستنكر هذه النظرة الدونية لمنظومتنا الأخلاقية، بالتأكيد نعم. فاسترخاص أرواح الضحايا وتعظيم قيمة القاتل أمر غير أخلاقي مهما كان انتماؤه الطائفي. وكذلك هو الأمر من الاستخفاف بالسطو المسلح دون السؤال عن توظيف تلك الأموال في شراء السلاح والمتفجرات لقتل المدنيين ورجال الأمن. لسنا هنا في وارد تبرير لعمل انتقامي يلتحف بعباءة قانونية، بل نحن أمام استحقاقات فرض الأمن لأنه مكفول لكل مواطن ومقيم على أرض المملكة العربية السعودية. هذه الصحوات الأخلاقية المصطنعة والمسيسة من قبل شخصيات ومؤسسات لا تمتلك الحيثيات والوقائع القانونية أو حتى الحد الأدنى من الخلفية التاريخية لفظائع الإرهاب في السعودية تشككنا في مرتكزات موقفها الأخلاقي كثيرا.

نعم نحن نطمح أن نصل في أقرب فرصة ممكنة لثقافة التسامح حتى في الدم، لكن ليس على حساب هيبة الدولة والقانون، وكنا نتمنى من الأسقف توتو والدكتورة عبادي توجيه سؤال إلى من تقدم بمشروع رسالة الاسترحام عن القاضي الجيراني وتاريخه في مناهضة العنف والإرهاب.

لكم أيها السيدات والسادة كل التقدير ونخص الأسقف توتو بشكل خاص، وحتى إن اختلفنا معكم من حيث المبدأ في أمر قد يجوز فيه الاختلاف من وجهة نظركم إلا أننا لا يمكن أن نقبل أن نساءل في منظومة قيمنا الأخلاقية كدولة أو مجتمع.

ربما كان من الأجدى بالعشارية النوبلية مد يد العون للمدعية العامة في جرائم الحرب في سوريا السيدة كارلا دل بونتي وبيان استقالتها استنكارا من الموقف الدولي المشين واللاأخلاقي من الجرائم ضد الإنسانية في سوريا. إن ادعاء النبل الإنساني يجب أن يبنى على موقف أخلاقي وليس سياسيا، وما لا يقبل أخلاقيا لا يصح سياسيا.