عبدالله المزهر

الاحتقار بأثر رجعي!

الثلاثاء - 15 أغسطس 2017

Tue - 15 Aug 2017

صحيح أن من ضمن أحلامي ـ في الحقيقة هو حلمي الوحيد ـ أن أصبح غنيا فاحش الثراء، وصحيح أني مؤمن بأن المال من ضمن الأشياء ـ في الحقيقة هو الشيء الوحيد ـ التي تخلق السعادة أو تجعل من الحزن شيئا يمكن التعايش معه في أوضاع أفضل. لكني بالمقابل لا أريد فقدان الحد الأدنى من قدراتي العقلية التي تجعلني أستمتع بثرائي الفاحش.

لكني حين أشاهد تصرفات بعض الأثرياء أفكر قليلا في مراجعة أحلامي وتحديثها والبحث عن أحلام أخرى. وما زلت لا أفهم هل المال هو من أفسد عقولهم أم إن المال ينجذب إلى العقول الفاسدة. والفساد الذي أعنيه بالطبع ليس الفساد المعروف الذي أنشئت من أجله هيئة مكافحة الفساد. ولكني أعني بالفساد هنا «عدم العمل بشكل سليم».

والحقيقة أني لا أتابع في وسائل التواصل أيا من الأثرياء وجل أصدقائي الحقيقيين والافتراضيين من الكادحين في الأرض الذين يفرحون في اليوم الخامس من الأبراج الشمسية أكثر من فرحتهم بيوم العيد. لكن الأشياء المستفزة لا تحتاج إلى استئذان حتى تقتحم الحياة. ونشاهد جميعا سواء تابعنا أم لم نتابع أخبار الأثرياء الفارغين الذين يستعرضون بسياراتهم وأموالهم في الداخل والخارج في مناظر مستفزة. وهذه التصرفات هي تطبيق عملي لمقولة قارون «قال إنما أوتيته على علم عندي»، وربما لو كان في زمن قارون سيارات فاخرة لكان رده على الذين قالوا له «لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين» هو تصوير مقطع له وهو يهدي نفسه إحداها، ونشره على حساب «قارونيات» في سناب شات.

ورغم حبي الشديد للمال إلا أني لا أحسد هؤلاء ولا أغبطهم، ولكني أحمد الله الذي عافاني مما ابتلاهم به. ولا أظن أن وجودهم شر مطلق، فلكل شيء جانب إيجابي، أظنهم بتصرفاتهم هذه يهونون على الفقراء فقرهم، ويخطون خطوات لا بأس بها في سبيل إثبات مقولة «المال ليس كل شيء» التي لم أؤمن بها حتى الآن، ولكني أقترب من فعل ذلك.

وعلى أي حال..

لعل أسوأ ما فعلته وسائل التواصل أنها كشفت جوانب من حياة الناس، كانت ستكون أجمل لو بقيت مغطاة. كنا نعرف «المشهور» بصنعته فقط، كاتبا أو فنانا أو رياضيا، وكنا نحب فيهم شئيا واحدا ولا نعرف سواه. الآن أصبح من الصعب أن تعجب بشخص وأنت لا تعرف عنه سوى تفاهته، إضافة إلى تأنيب الضمير والاحتقار بأثر رجعي.

agrni@