شاهر النهاري

منظومة الوطن والوطنية والمواطنة

الاثنين - 14 أغسطس 2017

Mon - 14 Aug 2017

وكل هذه المفردات تأتي تبرعما من كلمة وطن: وهو مكان إقامة الإنسان ومقره، سواء ولد أو لم يولد به.

وتتشكل من ذلك كلمة الوطنية، والتي تعني حب الوطن (Patriotism)، واصفة مشاعر الحب والهيام والارتباط بالوطن، وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية، تأتي دون شرط أو قيد.

أما المواطنة (Citizenship)، فهي صفة نتجت في العصر الحديث لتوصيف علاقة المواطن بوطنه، منطلقة بنوع من العقلانية، وتحديد حقوق المواطن المتأملة من هذا الوطن، وممن يقومون على قيادته وإدارته وسياسته، حتى يكون المواطن راضيا ومبادرا بأداء واجباته الوطنية نحو وطنه، بتراثها، وتاريخها، وقيمتها، وشعبها، ومحتواها، ومعطياتها، وسمعتها، وحكومتها.

وعند الحديث عن الأوطان فإن خلاصة القول والتجارب تثبت أن الوطن نعمة عظيمة لا يعرفها، ولا يقدرها حق قدرها إلا من فقدها، ولا يندم على تفريطه بها إلا من حارت إنسانيته في ذاته، ونرجسيته، وأنانيته، فقسا على وطنه وطالبه بأكثر مما هو بالإمكان، أو أنه سمح لبعض المعاني البعيدة بتفريقه عن وطنه.

والحقيقة تحكي أنه كلما زاد رقي الوطن، وزادت قيمة الإنسان فيه بحصوله على صحته ولقمة معيشته، وتعليمه، ومجتمعه، وقدره، وحريته الشخصية التامة، وتمتعه بالعدالة، والمساواة مع جميع الساكنين على أرضه، وامتلك المشاركة الفاعلة في اختيار وصنع جميع معطيات هذا الوطن، اقتنع الفرد بأنه في وطن عز ورفاهية يمكنه من جميع حقوقه، كما يحدث في دول متقدمة عدة، تجاوزت العنصريات والفئوية، والفساد، فإن المواطن بالتالي يتمسك، ويجيد ويبدع في أداء واجباته، التي يتعلمها منذ الصغر عن طريق التربية بين أفراد أسرته ومن خلال مجتمعه، وتعليمه الذي يتلقاه محتويا على أصول التربية الوطنية، ومحبة جميع أفراد الشعب، دون تقسيمات، لتزداد مشاعره عمقا وإحساسا بالوطن، وليتمتع بالمواطنة المتوازنة، والتي تجعله جزءا لا يتجزأ عن هذا الكيان العظيم، وأنه يمتلك المحبة والولاء الناضج لوطنه، وأن لديه الاستعداد لخدمته بتفان في أوقات السلم والحرب، عبر المشاركة والتعاون مع نظرائه من المواطنين والمسؤولين في العمل المؤسساتي والفردي، أو الرسمي، أو التطوعي، في سبيل تحقيق الأهداف المشتركة التي يصبو إليها الجميع، وتتوحد من أجلها كل الهمم والتضحيات، وترسم الخطط الحكومية، وتوضع الموازنات، وتنفذ المشاريع، التي تثبت معاني المواطنة.

ولتصوير تلك التناغمية بين الوطن والمواطن، والوطنية والمواطنة، فإنني دوما أحب تمثيل تلك المنظومة بصورة الابن والأم والأمومة والأمومة بالتبني.

فالمواطن هو الابن الصغير، والأم هي الوطن، والوطنية شبيهة بعلاقة الأبناء بأمهم بحماسهم ومشاعرهم العميقة نحوها، في حب مستدام وبدون أي تشرطات مبالغ فيها، بينما تكون المواطنة مشاعر الأبناء بالتبني، التي تدوم ما دامت الشروط والمواصفات والحقوق والواجبات مستمرة بين الطرفين.

الأم نعشقها مهما كانت تصرفاتها نحونا، فنظل نحبها، ونتفهم، كما تكون مشاعر الوطنية، ونبحث عن أعذار لها، ونستمر في عشقها مهما قست.

أما الأم بالتبني، فهي أم تدوم بيننا وبينها المشاعر طالما أحسنت فينا، ولكنا سرعان ما ننقلب ونهجر، إن وجدنا منها ما لا يسرنا.

هنا تتمثل المواطنة، والتي تبنى على شروط كما شروط التبني، وأي إخلال فيها يجعلها غير موجودة.

نصيحة: علموا أبناءكم الوطنية، قبل المواطنة.

@Shaheralnahari