فاتن محمد حسين

الأعمال التطوعية بين العشوائية والمؤسساتية

السبت - 12 أغسطس 2017

Sat - 12 Aug 2017

يقوم -كل عام- معالي وزير الحج والعمرة بتفقد مؤسسات الطوافة والاطلاع على خططها التشغيلية والتأكد من جاهزية المؤسسات لاستقبال حجاج بيت الله الحرام. وقد أصبح هذا روتينا سنويا يحصل على قدر كبير من الزخم الإعلامي.

وفي زيارته لبعض المؤسسات هذا العام التقى ببعض سيدات متطوعات في العمل في مؤسستهن، وقد انتشرت الصور في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي التعليق المرفق «وزير الحج والعمرة يدشن اللجنة النسائية التطوعية»، وكأن اللجنة النسائية تعمل للمرة الأولى! فكلمة تدشين تعني البدء بالعمل، وأما هذه اللجنة فهي تعمل منذ سنوات -حسب علمي- وربما كاتب الخبر قد خانته الصياغة الدقيقة، المهم أنه لم تكن تلك الصور إلا بداية انطلاقة احتجاجات من بعض عضوات اللجنة التطوعية النسائية اللاتي استبعدن من حضور الحدث وعلقت إحداهن (لجنة نسائية رباعية)، حيث كانت فقط زوجتي مطوفين، وابنة مطوف، ومطوفة، بينما المطوفات الأخريات لم يبلغن لحضور اللقاء مع أقدميتهن وخبرتهن في المجال! وكان من حقهن حضور هذا الحدث الإعلامي.

إن اللجنة النسائية التطوعية في تلك المؤسسة قد بدأت أعمالها منذ عام 1429 وقد شهدت نجاحات كبيرة في تلك الفترة، فقد كان لها خطة وإجراءات عمل دقيقة، وكان هناك احترام لكل فرد في المجموعة وإعطاؤه قيمته ومكانته، فهو من يختار اللجنة والعمل وليس توزيعا عشوائيا. وقد تغيرت بعض الشخصيات في تلك اللجنة لظروف إدارية، ولكن كان من الأجدى الاستعانة بالخبرات السابقة والاستفادة من الكوادر البشرية المؤهلة، ولكن رئيس اللجنة النسائية -وهو عضو مجلس إدارة في المؤسسة وحاصل على دكتوراه من جامعة الملك عبدالعزيز- لم يتنازل عن دعوة أولئك والاستفادة منهن! والغريب لماذا يكون رئيس اللجنة رجل! ألا تستطيع مطوفة من ذوات الكفاءة والخبرة أن تكون رئيسة للجنة؟ فهي الأقرب للتواصل مع المطوفات والحاجات والأكثر معرفة بخصوصياتهن وما يحتجنه، مع تعيين منسق لأعمال اللجنة ومسهل لأعمالها (Facilitator).

وحقيقة الحوار الذي دار بين المطوفات كشف عن أنه ليس هناك خطة ولا إجراءات عمل دقيقة، ولا لجان لتوزيع الأعمال والمهام، حيث علقت إحداهن «مع أنه فريق تطوعي، ولكن من حق المتطوع توفير جو صحي ونفسي والاحترام والثقة المتبادلة من خلال تقدير الجهود، وما نراه اليوم ليس تطوعا، بل تنافس وسباق خيول وحب ظهور للوصول إلى مناصب وأهداف أخرى»، وللأسف كان رد المطوفة الأخرى المشاركة في الحدث غير إيجابي بقولها «إن الإنجازات تتحدث عن نفسها ومن يتحدث عن سباق خيول يفترض أن يكون ضمن الخيول». وهنا ثارت في ذهني الكثير من علامات التعجب: فكيف يكون إنسان في سباق ولم يعط أدواته ومعاييره وإجراءاته! وكيف تؤدى المهام في فريق عمل تنشأ عنه منافسة تتحول إلى سباق أو قل إلى صراع!

إن إشكالية التنافسية غير الصحية في فريق العمل تذكرني بالطالب السعودي الذي ذهب للدراسة في اليابان، حيث قدم البروفيسور لفريق العمل جهازا لإعادة تركيبه وتطويره، فما كان من الطالب السعودي سوى تقدمه وانفراده بالعمل وتركيب الجهاز وسط استغراب من أقرانه وامتعاض من البروفيسور الذي كان يقصد العمل الجماعي وليس الأنانية والاستئثار بالعمل وحب الظهور.

فكل فرد يضيف للعمل حسب قدراته وإمكاناته، وللأسف فإن الأنانية والأثرة أحد أهم عوامل فشل الفريق في أداء رسالته، لأن التشرذم والعمل في جو من التسابق غير محدد الهدف هو ظاهرة غير صحية. فمن أهم عوامل نجاح فريق العمل هو: التعاون والتماسك واحترام الآخرين واحترام آراءهم وأفكارهم، بل وتكافؤ الفرص في العمل كل حسب إمكاناته ومؤهلاته والالتزام والعمل بروح الفريق الواحد وليس تقريب أناس وإبعاد آخرين.

وفي سياق العمل التطوعي لخدمة حجاج بيت الله الحرام ظهر مؤخرا فريق (معك مساندين) من قبل بعض من المطوفين (المتطوع: مطوف - مطوفة - ابن مطوف - ابنة مطوف من مؤسسات الطوافة كافة)، وتم تحديد مدة العمل وأنواع الدعم المطلوب لمكاتب الخدمة الميدانية وبعض الشروط والضوابط.

كما دشن -مؤخرا- معالي وزير الحج والعمرة د. محمد صالح بنتن برنامج (كون عونا) التطوعي وذلك لخدمة حجاج بيت الله الحرام وتسهيل مناسكهم، وتم وضع رابط للتسجيل على موقع الوزارة للراغبين من الجنسين. وما نأمله من هذا البرنامج أن يكون عملا مؤسساتيا توضع له لائحة منظمة للعمل، وتحدد إجراءات عمل للجان، وخطط وضوابط واضحة لتحقيق الأهداف السامية التي ترمي لها الوزارة. وأن تطبق تلك الإجراءات على كافة اللجان التطوعية المختلفة في المؤسسات.

ومن الأجدى الاستفادة من تجارب الآخرين والاطلاع على كتاب (تجربتي مع الطوافة) فما هو إلا تأسيس لمبادئ العمل التطوعي النسائي في الحج، فهل نستفيد من تلك التجارب الناجحة في وضع الخطط المستقبلية؟

@Fatinhussain