النزاهة فوق المنفعة

الجمعة - 11 أغسطس 2017

Fri - 11 Aug 2017

يتردد على مسامعنا كثيرا مقولة (الأجنبي أكثر كفاءة من السعودي) إذا سلمنا بهذه النظرية رغم معارضة الكثير لها، لا سيما مع نبوغ كثير من السعوديين في شتى مجالات المعرفة وارتفاع محصلاتهم الأكاديمية والعلمية وتجاوزهم كثيرا من التحديات والصعوبات والعقبات، لكن لنسلم قليلا لهذه النظرية التي وضعها المتنفعون وحدهم.

النزاهة دائما قرينة الوطنية لا تنفك عنها بحال، ولن ينجح عمل ما إلا بوجود النزاهة والكفاءة، وإذا كان العامل الأجنبي ذا قدرات عالية فحتما لن يكون أكثر وطنية من المواطن، وأنا لا أشكك في نزاهة الأجنبي بقدر ما أميل إلى توضيح نقطة أن حب الوطن لا يسكن إلا قلب المواطن، ولو عُرض على هذا العامل الأجنبي العمل في بلاده بنفس المزايا التي يتحصل عليها خارج موطنه لما تردد، وهذا بيت القصيد، فالمواطن وإن كان أقل كفاءة من ذلك العامل الأجنبي فهو حتما أكثر وطنية ولا غبار على هذا، ولا يقول المشكك والمخذل على السواء إن السعودي يفتقد لعنصر الكفاح والصبر، فأي كفاح يتواجد عند الأجنبي وهو قدم إلى المملكة ثم وضع في منصب تنفيذي وأعطي مزايا عالية جدا!

الكفاءة لا تولد مع الشخص، بل هي صفة مكتسبة، يساهم الجميع في بنائها، ابتداء من الأسرة وانتهاء بالمجتمع وأرباب العمل، الكفاءة تصنع ويشترك الجميع في صناعتها، عندما يتقلد العامل الأجنبي منصبه بحفاوة وترحيب وثقة مفرطة وتسخير كامل الطاقات للوقوف معه فهو حتما سينجح، وعندما يعمل المواطن في بيئة موبوءة بالتشكيك وعدم الثقة وقلة الحوافز وإيجاد العراقيل للوقوف أمامه، ناهيك عن ضعف الثقة المجتمعية عند البعض التي ترفض فكرة ضرورة المرحلة بما فيها من سلبيات لمثل تلك النقلة وهي (السعودة) فمن المتوقع والمرجح أن يكون للفشل نصيب كبير في تجربة المواطن.

أثلج صدور الكثيرين سعودة بعض المهن كطب الأسنان ومجال الاتصالات، ولكن ما زال الطموح بسعودة المناصب التنفيذية هو المراد الأكبر، الذي تتطلع إليه الأجيال وتصبو إليه الأنظار، وعلى أصحاب رؤوس الأموال أن يكونوا شركاء في تلك النقلة التاريخية التي من شأنها أن تحدث تغييرا مهما في تحفيز الطموح والإرادة عند الأجيال القادمة.

والإنتاجية والإبداع لا يتحققان على أكتاف الكفاءة وحدها إذا لم يكن هناك حس وطني يؤجج دائما داخل ضمير العامل ليقوم بعمل مميز، وهذا ما يكون مفقودا عند العنصر الأجنبي، وإذا كانت كفاءة المواطن أقل من الآخرين كما يُزعم مع رفضنا التام لتلك الأسطوانة المشروخة، إلا أن كثيرا من المواطنين يملكون من النزاهة ودافع الوطنية الذي يبعث داخل النفس رغبة الصمود والتضحية والتميز.