ما وراء واو العطف

الجمعة - 11 أغسطس 2017

Fri - 11 Aug 2017

ظاهرة غريبة أفترض أنها تقض مضاجع الغيورين على هويتنا المتمثلة في تراثنا وثقافتنا ولغتنا، بل وعقيدتنا قبل كل ذلك.

ظاهرة لها دوافع شعورية ولا شعورية، دوافع سلبية انهزامية كأنها سوسة تنخر في جذور مقوماتنا الفكرية والعقيدية، ما لم نتصدى لها ونكشف فسادها ودوافعها وأهدافها.

الظاهرة هي تجني بعض المثقفين ومن يفترض كونهم رواد المعرفة وحراسها على كثير من قواعد النحو عند التحدث بالفصحى في محفل أو عند كتابة مقال أو تأليف كتاب ما. إحدى هذه الجنايات هي التعامل مع واو العطف وأدوات العطف عموما بما لا يتفق وأصول علامات الترقيم، وهو من أبسط مواضيع النحو العربي، بل هو تقليد لأسلوب اللغة الإنجليزية أو اللغات الأوروبية الأخرى.

نحن نقول مثلا: رجل وطفل وزوجته وأمه، فواو العطف تتكرر بين كل كلمتين. والخطأ أن نقول أو نكتب: رجل، طفل، زوجته وأمه، أي بوضع فواصل في الكتابة أو سكتات بين الكلمات عند التحدث المباشر، ثم تكون واو العطف قبل الكلمة الأخيرة فقط.

قد لا يأبه كثير من المهتمين بالشأن الثقافي بهذا التصرف المعيب، أو قد لا يثير انتباههم فتمر عليهم مرور الكرام، وإن لاحظ البعض ذلك فقد يتجاهل الأمر إما تهوينا أو سوء تقدير أو غير ذلك.

اللغة العربية يا عزيزي لغة عريقة ثرية بمكوناتها وخصائصها، بل هي لغة مقدسة، وهي لغة القرآن الكريم، وهي أيضا لغة العبادات والمناسك. ثم إنها لغتنا شاء من شاء وأبى من أبى.

هذا يا أحبتي إشكال يمكن ملاحظته، وما يمكن ملاحظته فهو مقدور على تداركه بسهولة، إلا أن هناك إشكالا آخر خفيا أشد ضراوة وأكثر تشويها لتراثنا وهويتنا، ألا وهو الخلفية أو الدافع الذي قد يكون شعوريا أو لا شعوريا لدى أحدنا ممن يرتكب خطأ كهذا. ما أعنيه هو السلوك الانهزامي المتمثل في تقليد ومحاكاة المنتصر. تلك الجدلية التي روج لها المستفيدون أعداؤنا، والتي تحولت إلى قناعات وبديهيات، ما ينبغي أن نتقبلها وننساق في تيار إيحاءاتها التافهة. وإن حدث شيء كهذا، فإنما يكون في مجتمع موغل في البدائية، مجتمع اعتاد محاكاة قطعان الماشية، والتي صيغت في فرضية سلوك القطيع. أما في مجتمعاتنا المعاصرة فقد بلغنا من المعرفة والثقافة والوعي ما يكفي لارتقائنا عن تلك الحالة من البدائية أو النكوص أو الردة الاجتماعية. ليست هذه مشكلة سلوكية فقط، بل إنها تمت للأخلاق بصلة قوية.

قد تقول يا قارئي المحترم إني قد خلطت الحابل بالنابل، أو كأن الموضوع هو 2×1 كما يحدث في لغة التسويق التجاري. ليس الأمر كذلك يا عزيزي، بل هو قضية واحدة لها وجه ملاحظ ووجه خفي أشد خطرا وإيلاما. نحتاج فقط إلى إدراك أننا بحاجة إلى ملاحظة وفهم سلوكنا، وهويتنا من خلال ذلك. وأن نفعل عامل الوعي لدينا، فمسألة كمسألة واو العطف هذه ما هي إلا مؤشر يستحق التوقف عنده وتفحصه.

أخيرا، فإما أن تكون أنت أو أن تكون صفرا غير قابل للتدوير، فاختر!

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال