حنان المرحبي

العولمة والاندماجات السياسية

الجمعة - 11 أغسطس 2017

Fri - 11 Aug 2017

قد يكون التعريف الأكثر شيوعا للعولمة هو زوال الحدود بين الشعوب، وتحول العالم إلى قرية صغيرة. وبقليل من التأمل ستصل إلى إجابة للظروف التي دفعت البشرية نحو هذا التحول والتي تمثلت في عاملين كبيرين هما: التقنيات الحديثة (بالأخص الاتصال والتنقل والصناعة)، والتجارة الدولية.

وقد دفعت العولمة العجلة السياسية نحو تشكيل الاندماجات والتحالفات بين الاقتصادات الدولية لتوحيد الأنظمة والتي من بينها الرسوم الجمركية وإلغاؤها بين الحلفاء، وتوحيدها لغير الحلفاء، وتسهيل تنقل المدراء ورجال الأعمال والقوى العاملة، وأيضا تسهيل نقل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال، وتوحيد الأنظمة الاقتصادية (تجارية ومالية)، وتمكين الاندماج السياسي والاقتصادي للدول، وبخاصة بين الحلفاء.

تشكل هذه العناصر البيئة النظامية لكل دولة، ومن الممكن أن تجعلها بيئة جاذبة أو طاردة للتجار الدوليين ورؤوس الأموال. وكلما كانت البيئة النظامية حرة وعادلة، أو كانت تعمل تحت مظلة اندماج سياسي واقتصادي وإجراءات موحدة تؤكد على حماية حقوق الأجانب، انتعش وتقدم النشاط التجاري بالمنطقة.

السياسة أداة موجهة ولها تبعات مؤثرة على مستقبل المنطقة الاقتصادي والسياسي. البيئة النظامية والسياسية لا تبنى لتكون حاكمة أو تبقى ثابتة، ولكن توضع لحماية وتشجيع التجار وأصحاب المصالح لتبني أفضل الممارسات التي تدعم النمو الاقتصادي، وهي أحد الجوانب المهمة التي تؤخذ في الاعتبار من قبل أصحاب المشاريع الدولية عند القيام بالتخطيط لدخول السوق المحلي برؤوس أموال أو شراكات وأعمال.

ولتصور بعض الآثار التي تنشأ عن تبني سياسة اقتصادية موجهة وموحدة نذكر الحالة التي تحدث عنها الكاتبان Mike Peng وKlaus Meyer. في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، واجهت أوروبا قلقا حول قدرتها على تأمين مصادر غذاء كافية تغطي احتياج النمو السكاني المتزايد. دفعت تلك المشكلة الساسة الأوروبيون إلى تطبيق سياسات زراعية موحدة بين الدول الأعضاء. كانت مشكلة الغذاء أحد الأسباب الأولى التي دفعت الأوروبيين إلى تكوين اندماج سياسي فيما بينهم. وقد صيغت السياسة الزراعية الموحدة لتكون حامية ومشجعة لإنتاج وتوريد الغذاء بين الدول الأوروبية، ورفع جودة حياة المزارعين، وتقديم الإعانات للمنتجين وتوحيد الأسعار للمستهلكين. وقد نجحت السياسة في تحقيق أهدافها المنشودة، إلا أن أمرا لم يكن في الحسبان وقع بالمنطقة نتيجة لتلك السياسة. بعد عدة عقود نشأ تحول كبير في النشاط الزراعي بأوروبا، فلم تعد أوروبا تواجه أي عجز في الغذاء ومع هذا ظلت السياسة الزراعية الموحدة قائمة من دون إصلاح يجعلها تواكب الواقع الذي تغير. أدى ذلك إلى نشوء فائض في الإنتاج لوجود الدعم، تحول الفائض إلى مخزون لا يحتاجه المستهلك الأوروبي وصف بجبال الزبدة وبحيرات الحليب. تم تسويق ذلك المخزون الفائض للأسواق العالمية بأسعار تقل كثيرا عن أسعارها في السوق الأوروبي، وتسبب ذلك في إرباك تلك الاقتصادات وإعاقة المزارعين فيها. بدأ الساسة الأوربيون الحراك لعمل إصلاح بالسياسة الزراعية ولكن في كل مرحلة للتغيير ينشأ اعتراض من قبل المزارعين لحماية مصالحهم التجارية. من بين تلك الإصلاحات إيقاف الإعانات الحكومية للإنتاج، والتعامل مع المزارعين كحماة للطبيعة بدلا من مجرد اقتصاديين ومنتجين للغذاء. وإلى اليوم ظلت تلك السياسة واحدة من أكثر السياسات التي ينشأ حولها الجدل بين المصالح الوطنية للدول الأوروبية نتيجة للتنوع الكبير بين المنتجات والمنشآت الزراعية والتي تنتمي لمجتمعات وطبيعة جغرافية ومناخية مختلفة.

@hanan_almarhabi