عبدالله المزهر

مرض التواصل أكثر مما ينبغي!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 09 أغسطس 2017

Wed - 09 Aug 2017

من الجميل أننا لا ننقش تغريدات تويتر على الصخور، لأن هذا كان سيوقع علماء الآثار الذين سيأتون مستقبلا في حيرة وهم يحاولون فهم الطريقة التي كانت تفكر بها حضارتنا.

الرغبة في «الفتوى» ليست هي داء المغردين، ولكنها أحد الأعراض الجانبية لمرض يمكن تسميته مرض «التواصل أكثر مما ينبغي».

وبحكم أني واحد من هؤلاء المغردين فسأشرح هذه الأعراض التي أعانيها نسأل الله لي ولكم وللناس أجمعين الشفاء من كل داء.

حين أشاهد طائر توتير الأزرق تنتابني رغبة في شتم أحد ما، لا يهم من هو، ولكنني أشعر أنها جرعة لا بد منها للبقاء أطول فترة ممكنة قبل إغلاق التطبيق برهة من الوقت لممارسة كماليات الحياة كالأكل أو النوم أو العمل أو أي شيء من هذه الأمور التي لا تسمن ولا تغني من حياة.

وبعد تناول الجرعة عن طريق شتم إنسان ما تبدأ المرحلة الثانية، وهي الرغبة في الإفتاء. لا بد أن أظهر للعالمين أني عالم بكل شيء، سأتحدث عن السياسات الخارجية والداخلية لدول العالم وأعترض عليها جميعا. ثم أتحدث قليلا عن الطبخ وأعرج على الموضة ثم أتحدث عن الأدب والفن والرياضة بلغة العارفين الواثقين الذين لا مجال لأن يكونوا بشرا عاديين يخطئون ويصيبون.

والخطأ في حد ذاته أحد المحفزات للبقاء في وسائل التواصل، ولكل مغرد معياره الخاص، فالخطأ هو ببساطة «ما لا يعجبني» والصواب هو ما أراه كذلك، ثم لا بد أن أتعامل مع الجميع على أن أي خطأ يرتكبونه مخرج لهم من «الجنس البشري». لأن اعتبار أخطاء وزلات الآخرين سلوكا بشريا أمر لا يليق بأبناء الحقبة التويترية!

في بعض الحالات أشعر أن الخطأ ـ حسب معياري ـ أكبر من أن أتصدى له وحدي فتبدأ الموجة التالية من أعراض الاستشفاء بالمشاركة في «هاشتاق» يدعو إلى «القبض على المخطئ وعقابه» واستعداء السلطات على المخالف لمعاييري الخاصة بالصواب والخطأ هو أعلى درجات الرضى عن النفس والشعور بلذة الشفاء بعد المرض.

ليس مهما أن أعرف الشخص الذي أطالب بعقابه ولا دوافعه ولا ظروفه. هو أولا وأخيرا مجرد «جرعة» تشعرني بالارتياح.

وعلى أي حال..

كل الذين يرون في هذه الحقبة التويترية غير ما أرى هم مذنبون ومخطئون ويجب القبض عليهم وعقابهم ليكونوا عبرة لمن لا يعتبر.

@agrni