مجاني.. ولكنه ثمين

الاثنين - 07 أغسطس 2017

Mon - 07 Aug 2017

عملت في دولة غربية لمدة 3 سنوات وأثار اهتمامي الاختلافات العملية والاجتماعية الكبيرة عن وطننا العربي، فالغربيون بشكل عام لا يمتازون عنا بقدرات ذهنية أو جسمانية ولكن جل الاختلاف يكمن في الاهتمامات والأولويات.

لن أتطرق لتفاصيل هذه الاختلافات، ولكن شدني موضوع جوهري يختلفون فيه عنا. إن من أولويات المجتمع الغربي الذي عايشته التطوع، فكل من عملت معهم يخصصون على الأقل 100 ساعة في السنة للتطوع. وهذا التطوع مدعوم ومشجع من قبل المجتمع والشركات والإعلام والتعليم، فلا يهم فيم تتطوع وأي قضية تخدم، المهم أن تخصص وقتا للتطوع. ومن وسائل التشجيع عندهم أن الجامعات بشكل عام تفضل قبول المتقدم المتطوع على غيره، وفي بعض الشركات - ومنها الشركة التي كنت أعمل فيها - يوجد بند في تقييم أداء الموظف مرتبط بالأداء التطوعي كيفا وكما. إنها ثقافة زرعت لديهم فكان التطور والانضباط إحدى نتائجها.

إن من مميزات العمل التطوعي أنه يهذب النفس ويزكيها من الأنانية، فالتطوع عطاء بلا مردود مادي، بل هو عطاء لمجرد العطاء. وفيه يتجرد الإنسان من واقعه وعمله ومحيطه المريح، فيلتفت إلى عالم لا يعرفه، عالم يسمع عنه ولم يعشه فيتطوع ليدرك قيمة ما من الله به.

والتطوع كذلك يوسع المدارك ويصقل المهارات ويفتح الآفاق ويبني العلاقات الجديدة، وبه يخدم المتطوع وطنه ويساهم في تغيير هذا العالم ليصبح أجمل.

ربما لا أستطيع سرد كل مميزات التطوع فلست ممن كرس حياته أو جزءا منها لهذا العمل النبيل، ولكن ذكرت بعض ما سمعت وعرفت ممن أنعم الله عليه بمزاولة التطوع فأصبح جزءا من حياته. ولعلي هنا أتذكر ذاك المعلم الذي طلبت منه منذ سنة أن نعمل على مشروع معين، وذكر لي أنه يستطيع العمل معي في أي وقت إلا يوم الأحد من الساعة الثالثة عصرا حتى صلاة المغرب، فهو وقت مخصص للتطوع. والتطوع هنا ليس المقصود به الدعوة إلى الله، فهذا ولله الحمد سخر الله له جنودا من هذا البلد يقومون به على أكمل وجه، ولكن المقصود هو العمل الميداني، فالرجل يستغل هذا الوقت ليدرس مجموعة من الأيتام مهارات الحياة ويرافقهم في هذه الساعات الثلاث. ويقول إنه لم يشعر بالراحة والنشاط المستمر إلا بعد تخصيص هذا الوقت للتطوع.

ومن المواقف الجميلة عن التطوع في بلادي ما قامت به مجموعة من المتطوعين بجهود شخصية بإنشاء حملة باسم «حملة تشجير الرياض» في تويتر، تفاعل معها عشرات الآلاف وتقدم 3 آلاف متطوع لتحقيق هذه الحملة. وهذا يؤكد الرغبة والقدرة الموجودتين لدى مجتمعنا في التطوع، إلا أنه يحتاج لتنظيم يخدمهم. ولعل جامعاتنا تساعدنا في ذلك، فأذكر أني اطلعت على أحد مشاريع التخرج في جامعة الملك سعود قبل بضع سنوات عن بوابة الكترونية للتطوع، من خلال البوابة يطرح الراغب في التطوع أوقات فراغه والمهارات التي يتقنها والمدينة التي يسكنها، بحيث تقوم المؤسسة أو المنظمة المحتاجة إلى التطوع بالتواصل مع الراغبين. ليت هذه المشاريع وغيرها في جامعاتنا ترى النور ولا تكون حبيسة الجامعة، فربما يكون هذا المشروع بذرة لزراعة ثقافة التطوع في مجتمعنا المعطاء.

قفلة: قال لي أحد المتطوعين «التطوع عمل مجاني، ليس لأنه عديم القيمة، بل لأنه لا يقدر بثمن».

RMRasheed@