أحمد الهلالي

عطشى.. وتسكابها يروي!

الاثنين - 07 أغسطس 2017

Mon - 07 Aug 2017

أقود سيارتي على طريق الهدا، وأبحث عن مخرج للعودة إلى الطائف، ازدحام على غير المعتاد، قلت لعل قاعة الأفراح المضيئة هي السبب، ثم احتملت أنه الصيف، فالطائف مهوى أفئدة المصطافين، لكن وقوفي في الازدحام زاد عن المعدل الطبيعي، يتراءى لي المشهد الآن، قاعة أفراح أخرى بعد المحطة، ساحتها مضاءة، مزدحمة، سيارات تقف على جانبي الطريق، شباب يمشون خلال السيارات، ثم يتضح السبب، (إنه الطرب) إنها الموسيقى العابقة في المساء الطائفي الأنيق.

الموسيقى روح عذبة، هي لغة الفرح الأولى، حين تنداح لا تملك مقاومتها، والإصغاء إليها بمحبة، وإن تحللت من عقدك وتمايلت قليلا، أو حركت أصابعك على المقود، أو حركت قدمك جوار الدواسة، فأنت تعبر عن حاجتك إليها، وعن إيمانك بالطبيعة البشرية المحبة للفرح والإيقاع والأنغام، وماذا حين تكون في (ليلة قمرية من صيف الطائف المأنوس).

قاعة أفراح تنشر البهجة، بعد أن مل الناس الإيقاعات الحربية للعرضات والشيلات، وسئموا التعبيرات (الهياطية) للشعراء الشعبيين، بالمدح الزائد حتى عن حاجة المبالغة، والتغني ببطولات الأجداد الدموية، رغم أن هذه الفنون تعد متنفسا أفضل بكثير من موجة البؤس التي مرت على الناس حين كان خطباء الصحوة ومقلدوهم يصولون ويجولون خلال الأعراس متحدثين عن الموت وضياع الناس وغفلتهم ويحيلون الفرح (غما على غم)، حتى صارت الأفراح مآتم.

حقا نحن بحاجة إلى الفرح، بحاجة إلى ألا نعد الفرح ذنبا، وألا نراه جحودا لأبنائنا على الثغور، ولا تنكرا لأشقائنا الذين يقاسون ويلات الحروب والمآسي، ولعل هذه الثقافة تتزحزح أمام زخم فعاليات الترفيه التي بدأت تؤتي ثمارها، وتشجع الناس على الفرح، وأملنا كبير في تحول المجتمع تدريجيا إلى استثمار الطاقات الغنائية الوطنية لإحياء مناسباتهم الخاصة والعامة، وأن نرى المؤسسات الحكومية والخاصة لا تتحرج في إذاعة السلام الوطني موسيقيا دون همهمات ولا دمدمات، وأن يفاخر الموسيقيون العسكريون والمدنيون بمهنهم، وأن يجد منظمو المهرجانات ما يجعل لمهرجاناتهم طعما، ليعود الفنان السعودي إلى مجده المفقود، الفنان الذي أخلص لموهبته وظل صابرا على الفتات، متشبثا بعوده وكمانه، والمجتمع يتعرق حرجا في مد يده إليه، وحتى المؤسسات الفنية والثقافية تظل على أعصابها حتى تنتهي الوصلة الغنائية المحشورة بحذر في برنامجها.

بقي أن أتمنى على التلفزيون السعودي أن يخرج إلى الساحة، ونرى توأمة بينه وبين هيئة الترفيه، من خلال تسجيل فعاليات الترفيه الغنائية والترفيهية ثم بثها للمشاهدين لاحقا، ليكون للناس جميعا نصيب مشاهدة ما فاتهم بحكم الزمان والمكان من تلك الفعاليات، على الأقل حتى تعود إلى الحياة ثقافة الغناء الموءودة، وتروى الذوائق العطشى.

ahmad_helali@