النخلة

الجمعة - 04 أغسطس 2017

Fri - 04 Aug 2017

ذات يوم بادرتني إحدى زميلاتي بسؤال مباغت: لو خيرت لأن تكوني نبتة، فأي نوع كنت ستختارين؟ كانت عيناها تلمع بمكر شديد، وعلى محياها ابتسامة باردة كأنها تعرف الإجابة مسبقا. لم أتردد لحظة في الإجابة فقلت بكل ثقة: نخلة! صعقت زميلتي من الإجابة وردت بسخرية: تركت كل أنواع الورد والزهر والشجر لتختاري نخلة؟ كم أنت عيارة (كما هو دارج بلهجتنا العامية). ثم ذهبت ولم يشدها فضولها لتسألني لماذا النخلة؟ لذا فكرت أن أكتب هذه السطور لأجيبها عن ذلك وإن لم تسأل ولأنصف النخلة.

النخلة يا عزيزتي على الرغم من مظهرها القاسي الصلب والقوي إلا أنها تحمل أسمى معاني الحنان والعطاء فظلها يستظل به من لهيب الشمس، وثمارها من ألذ الثمار وأكثرها قيمة غذائية ليستمتع بها البشر وحتى الطير والماشية، جذعها يستخدم في النجارة ومواد البناء وفي الوقود والسماد، وورقها (السعف) يستخدم في صناعة الكراسي والورق وسقوف المنازل الشعبية، وأزهارها (حبوب اللقاح) كشفت الأبحاث العلمية عن فوائدها الصحية والغذائية، كما يصنع منها ماء اللقاح المعروف بمنطقة الخليج العربي.

وفي المقابل ماذا تحتاج النخلة؟ النخلة من أسهل الأشجار زراعة، ولها القدرة على تحمل الظروف المناخية الصعبة، فقط ارم بذرتها في أي تربة وراقب نموها. عندما تنمو في أرض تمد جذورها بكل قوة، وكأنها تعلن انتماءها وإخلاصها لأرضها، وتقف شامخة معطاءة بكل ما عندها دون أن تنثني أو تطلب معاملة خاصة.

يكفي ما قاله العزيز الرحيم في كتابه الكريم عندما طلب من مريم ابنة عمران عندما جاءها المخاض وقالت ليتني كنت نسيا منسيا من شدة الآم المخاض، فجاءها النداء الكريم بهز جذع النخلة، وكأن النخلة هنا داعما نفسيا قويا لها، يأخذ بيدها ويقويها بالإضافة إلى تغذيتها بالثمر.

«فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا (23) فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا (24) وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا» (25) «مريم».

ختاما هل جربت يوما أن ترشق نخلة بالحجارة سترد عليك بإعطائك ثمرها. ليت البشرية تحمل نصف صفاتها لكان العالم سالما آمنا معطاء، فدمت أيتها الشامخة الأبية لتذكرينا بشموخ أجدادنا جيلا بعد جيل، والقادم أفضل بإذن الله.