مرزوق تنباك

الممنوعات بين الدين والعادات

الثلاثاء - 01 أغسطس 2017

Tue - 01 Aug 2017

الممنوعات في ثقافات الشعوب كثيرة بعضها ممنوعات بحكم العادات والتقاليد الموروثة وهذه لا تحاكم على العقل ولا على المنطق، وصرامة منعها وقوته آتية من التلقائية الاجتماعية التي يبحث فيها شيخنا البليهي حتى أعياه البحث، وأصبح مستغرقا في أبديتها مهما كلفه ذلك من البحث والتعب، رغم عدم السمع والطاعة لما يحاول إثباته من ضررها وسطوتها على عقول الناس، وحتى على الشيخ البليهي نفسه.

أما النوع الثاني من الممنوعات فهو موقف القوانين والدساتير المرعية التي تشرعها الدول لأسباب معقولة وعلل منطقية، أهمها ما يتعلق بمصالح الجماعة بصفتها العامة، وقلما تنص القوانين على منع شيء لا يكون ضرره واضحا ومؤذيا لأفراد الجماعة التي تخضع لقانون المصلحة المشتركة لكل فرد في المجتمع، ومن المعروف أن القوانين التي تطاع لا تمنع شيئا حتى تعرضه على من تختارهم لتمثيلها، فيمعنون فيه النظر ويحققون في أسباب منعه، ودوافع تحريمه ولا يمر المنع مرور الكرام، ولا يصبح قانونا ساريا بالمنع إلا حين توافق على منعه الأغلبية المطلقة من ممثلي الشعوب الذين يختارونهم بالانتخاب ويمثلونهم لصالح الجماعة كلها.

أما ثالث الممنوعات فهو ما تمنعه أو تحرمه الشرائع السماوية، والشرائع في تحريمها واضحة، ولا تترك مجالا للغموض فيما يحل ويحرم، وما تحرمه الشرائع الدينية قليل ومبين بالنص بلا لبس، وهو أبدي التحريم لا يمكن تغييره أو تبديله ولا الاجتهاد فيه ولا التجاوز عليه إلا في حالة الضرورات القصوى، والضرورات محددة ومفهومة بأسبابها فما حرمته الشريعة أو منعته يبقى كذلك محرما لا يتغير مع الزمن ولا تبدل الأحوال والظروف.

أما رابع الممنوعات وأخطرها على الإطلاق فهي ممنوعات الإلفة وما جرت عليه العادة وهذا هو بيت القصيد في مقالنا اليوم، وخطورة هذه الحالة أن المجتمعات المسلمة خاصة والمحافظة قد وقعت في هذا المحظور، واختلطت عليها العادة في العبادة، فإذا جد جديد في الحياة يخالف ما عرفوه وألفوه حرمه المتسرعون والوعاظ والمذكرون بحكم غرابته وحداثته وعدم اتفاقه لما هم عليه من قبل، فيكون ظاهره التحريم دينيا، وحقيقته تحريما اجتماعيا للجديد الذي طرأ على حياتهم وتقليدا وعادة موروثة، ثم لا يلبث الجديد أن يفرض نفسه ويألفه من حرمه ويستعمله أو يقبله، فيبدأ بالمصاحبة له والتعرف عليه، حتى إذا أصبح شائعا وسائغا بين الناس سكتوا عن منعه وتحريمه وأخذوا به، وهذا ما حدث عندنا خلال العقود الماضية، فقد فتحت عليهم أبواب العالم فوجدوا أنفسهم أمام سيل من المتشابهات كلها آتية من الغرب، وكلها مما لم يألفوه أو يعرفوه من قبل، فوقف أكثرهم منها موقف المرتاب وحرموا العمل بها والاستفادة منها، وقد ذكر أحد المهتمين أنه أحصى أكثر من مئة نوع صدرت فيها فتاوى تحرمها، وتدعو للابتعاد عنها، وتحذر منها، وتجرم من يأخذ بها أو يميل لها، ولم يبق الحال إلا قليلا حتى بدأ السكوت ونزع الحرمة عنها.

ومن أهم ما حرم استعماله وصدرت الفتاوى المغلظة ضده التصوير والتلفاز والدشوش وغيرها كثير، ثم لم يلبث الأمر إلا قليلا حتى صار أكثر مستعمليها والمستغرقين فيها هم الذين أصدروا الفتاوى القاطعة بحرمتها. ومن أغرب ما رأيت قبل أيام أن امرأة سألت أحد رجال الدين وهو تحت أضواء الكاميرات في إحدى القنوات الفضائية عن التصوير فقال (التصوير لا يجوز، التصوير لا يجوز). وقبل سنوات كنت في محاضرة عامة وكان في الصف الأول رجل دين بارز، والمصورون وكاميراتهم على رأسه وصورته مطبوعة على الحائط المقابل أمامه، فلما طلب منه الحديث نهض من مجلسه إلى المنصة وصاح بغضب (أوقفوا التصوير أوقفوا التصوير!).

هذا الخلط بين العادات والتقاليد والتشريع والعبادات يسبب ارتباكا في الفهم العام، وازدواجا في الدلالات، وأكثر من ذلك عدم التمييز بين المحرم تأبيدا في الدين، والمحرم بالعادات والتقاليد، فلا يبقى الوضوح المطلوب والبيان الذي يجب على الناس اتباعه في أمر دينهم. والسؤال الذي يبحث عن إجابة متى نشرح للناس الفرق بين محرمات العادة ومحرمات العبادة؟

Mtenback@