سليمان الضحيان

إسلام ما قبل المذاهب

الاثنين - 31 يوليو 2017

Mon - 31 Jul 2017

في الصحيحين: «عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا، فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الصيام؟ فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا، فقال: أخبرني بما فرض الله على من الزكاة؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام، فقال: والذي أكرمك بالحق، لا أتطوع شيئا، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق».

وفي الصحيحين: «كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل، فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث».. الحديث، وفي الصحيحين: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان». وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».

هذه الأحاديث الأربعة تبين أركان الإسلام والإيمان، والكبائر التي ما سواها تكفرها الصلوات والصيام، وهي تمثل الإسلام قبل تشقيقات المذاهب، ولو أن مسلما اليوم سأل عالما سلفيا، أو عالما أشعريا، أو عالما شيعيا، أو عالما معتزليا عن العقيدة التي يجب عليه أن يعتقدها؛ ليكون مؤمنا صالحا لكانت إجابة كل واحد منهم تكييف الإسلام وفق متطلبات مذهبه، فالإيمان بالله وصفاته يتطلب تقييد الإيمان بصفاته أنها من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف عند العالم السلفي، ويتطلب إثبات سبع صفات ذاتية له فقط عند العالم الأشعري، ويتطلب عند العالم الشيعي الإيمان بولاية الأئمة من آل البيت والبراءة من أعدائهم، والإيمان بكتب الله يتطلب الإيمان بأنها مخلوقة عند العالم المعتزلي، فالعقيدة أصبحت عند أرباب المذاهب وسيلة من وسائل التمايز عن المذاهب الأخرى، ولهذا دخلت في تعاليم العقيدة تفصيلات دقيقة لتمييز المذهب عما سواه، كالحديث عن ترتيب الصحابة في الأفضلية، وعن الموقف من السلطات الحاكمة.

فالمسلم اليوم يحتاج لعشرات السنين من الدراسة لضبط تفصيلات عقيدته وفق المذهب الذي يدين به، ومع هذا فضبطه لتلك التفصيلات لا يؤهله؛ ليكون داعية إلى الإسلام وفق أصول مذهبه، فالداعية يحتاج لضبط تفصيلات طويلة في شروط ومتطلبات العبادات والمعاملات وغيرها من أحكام الدين.

قارن هذا بما يتطلبه فهم الإسلام قبل ترسيم المذاهب؛ إذ كان الأعرابي الأمي يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم ينقلب داعية ومبشرا بالإسلام؛ لأن الدين لم يكن فيه تلك التفصيلات والتشقيقات الكثيرة التي لحقت به بعد نشوء المذاهب وترسيخها.

لقد كان لاحتكاك العرب المسلمين بثقافة البلدان المفتوحة في العراق والشام خاصة أثر في طرح إشكاليات دينية لم تكن معروفة في صدر الإسلام، كقضايا الجبر والاختيار في أفعال العباد، ومفهوم الإيمان وعلاقته بالعمل، والموقف من السلطة الجائرة، وطبيعة العلاقة بين الذات والصفات الإلهية، والقول بخلق القرآن، وغيرها من القضايا التي فرضها الواقع الجديد للمسلمين، فاختلف علماء الدين في موقفهم من تلك القضايا، وبناء على ذلك الموقف بدأ تخلق المذاهب، ثم ما لبثت أن نضجت بداية من منتصف القرن الثاني، وأصبح لكل مذهب علماء ومنهج وكتب، وأدخل الكلام في مثل هذه الأمور في الدين؛ وترتب على ذلك تنزيل أحكام الولاء والبراء والتبديع والتفسيق على الموقف منها، وصاحب ذلك صراعات وخصومات وتعصب مذهبي، وما زال فريق كبير من العلماء اليوم وطلبة العلم من كافة المذاهب الإسلامية منخرطين في صراعات الماضي، بل لا بد من النجعة حين أقرر أننا جميعا ما زلنا مسكونين بسلطة التاريخ، وأحسب أن توعية الأجيال المتدينة اليوم بإسلام ما قبل المذاهب سيكون له أثر عميق في فهمهم لحقيقة الإسلام بعيدا عن صراعات المذاهب وخصوماتها.

@Dohyyan_suliman