ريتويت.. لايك.. شير.. أي شيء!

الاثنين - 31 يوليو 2017

Mon - 31 Jul 2017

عزيزي القارئ، قبل البدء في المقال، أود أن أعتذر عن السلبية والمبالغة في الطرح، والتي أعتقد أنها ضرورية لإيضاح الفكرة التي أريد إيصالها. فالتجربة التي أعيشها حاليا جعلتني أتساءل هل ما أشعر به شاذ؟ أم إن هناك من يشاركني هذا الشعور؟ أتحدث عن شعور بدأ يتشكل مع بداية ثورة التواصل الاجتماعي التي قسمت حياتي إلى حياتين؛ حياة حقيقية وحياة افتراضية.

نبدأ بتويتر، فمنذ دخولي هذه المنصة التي تمتاز بالإيجاز وإتاحة المساحة للجميع لإبداء آرائهم وأنا مندهش من تصرفات الكثير من المغردين. فجمهور منهم يدعون أنهم حماة الدين وحراس الفضيلة يتهمون كل رأي مخالف لآرائهم بالتغريب والفسوق والانحلال وغيرها من الألقاب الإقصائية. وجمهور آخر نقيض للأول تماما يدعون أنهم مع التعددية وحرية الآراء، ولكن إذا كان مجال النقاش في أمور الدين تراهم يضيقون ذرعا ويصفونهم بالتطرف والإرهاب وبأنهم عديمو الوطنية لا لشيء إلا لأنهم يطرحون رأيا مخالفا. وجمهور آخر يتخفى بأسماء مستعارة يتفنن في الردود بأشنع الألفاظ وأقبح الصفات وأدنى العبارات لكل شخصية معروفة. هذا كله يحدث في هذه الحياة الافتراضية، ولكن حين ألتفت إلى حياتي الحقيقية لا أرى هؤلاء الأشخاص، ولم يحدث أن سمعت في مجالسنا من يشكك في دين الآخر ولا من يشكك في وطنيته. فهل هذا يعني أن التطرف اليميني واليساري واقع؟ أم خيال؟ وهل البذاءة من عادتنا؟ أم إن تويتر لا يعتبر مرآة للواقع؟

ننتقل إلى الانستغرام والسناب تشات، لنشاهد صور تجمع الأصدقاء بابتسامات عريضة، وتعليقات على هذه الصور تأكد مدى الترابط والسعادة التي تجمعهم. فتغريني هذه الصور لأذهب إلى مجالسهم، ولكن للأسف حين أذهب أرى أجسادا بلا أرواح، فلا ابتسامة مرسومة، ولا أحاديث تسمع، ولا موضوع يطرح. فقط هي الأجساد في الكراسي مشغولة بأجهزة صغيرة محمولة بين أيديهم.

أجساد فضلت التوغل في العالم الافتراضي على العيش في الحياة الحقيقية. وفي نفس هذا العالم الافتراضي نرى صورا أخرى لمطاعم مميزة ووجبات لذيذة، فتشتهيها لتذهب إلى المحل المأخوذ منه الصور لترى أناسا بجوالاتهم يصورون الأطعمة بأكثر من زاويا ثم يأكلون لقمة، أو يرتشفون رشفة، ليترك أكثره لسلة المهملات. فأي إدمان نعيش؟ هل فضلنا حياتنا الافتراضية على الحقيقية؟

ننتقل إلى الواتس اب، هذه الوسيلة التي تجمعنا مع أهلنا وزملائنا وأصدقائنا. الواتس اب الذي سهل علينا طرق التواصل فأصبحنا نهنئ الأحباب برسالة منسوخة، ونعزي الغالين بنص لم نقرأه ولا يقرؤه المتلقي. أصبحنا لا نحرص على اللقاءات ولا المكالمات، فالرسالة تكفي. وفي هذه الوسيلة، نرسل حكما ونصائح للآخرين لتشعرنا أننا نتبعها بمجرد إرسالها. وفي هذه الوسيلة، نعيد إرسال الأخبار الملفقة، ووصفات العلاج المدمرة، والفتاوى المكذوبة دون تحر للدقة، لأننا استقبلناها من خلال «الواتس اب» وهذا بالنسبة لنا دليل كاف على موثوقية المعلومة.

نعم لهذه الوسائل مميزات وإيجابيات فهي قربت البعيد ووسعت المدارك وزادتنا ثقافة، ولكنها أخذت حيزا كبيرا من وقتنا، فطغت على حياتنا الحقيقية. فهل نحن نستفيد من إيجابيات هذه الوسائل أكثر؟ أم إن سلبياتها لها الأثر الأكبر في حياتنا؟ وهل تصبح شخصياتنا في هذه الوسائل واقعية؟ أم إن شخصياتنا مزيفة وهشة؟

قفلة: حين يزورنا ضيف عنده مئات الآلاف من المتابعين، هل يستقبل كاستقبال شخص لا يملك حسابا في هذه الوسائل؟ وهل سعادة بعضنا أصبحت مربوطة بعدد «اللايكات» في الصور التي نشاركها في الانستغرام أكثر من السعادة الناتجة من استرجاع الذكرى المربوطة بهذه الصور؟ وهل أصبح عدد الريتويت هدفا أكثر من قول ما يمليه ضميرنا في تويتر؟

@RMRasheed