فايع آل مشيرة عسيري

مشاهير الخواء الفكري

الجمعة - 28 يوليو 2017

Fri - 28 Jul 2017

يبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تصدر لنا بين الحين والآخر مشاهير حمقى يحظون بمتابعة الآلاف وربما الملايين من المتابعين. هؤلاء المشاهير لا يخلو منتجهم من تسطيح الأفكار والوعي والابتذال والإسفاف والاستهبال وتمرير العبارات البالغة في السوء والضجيج وثقافة البومب الهزيلة التي تعاني الضحالة والتسميج والخواء الفكري!

يستطيل السؤال: هل نعاني أزمة فكر؟ ويستطيل معه الكثير من مشاهير «السوشيال ميديا» الذين يعيشون صدمة الشهرة الباهتة المزيفة التي أتتهم دون عناء أو تعب يذكر فيشكر، ولم يقدموا ما يشفع لهم، ولعل المتابع لهم لا يجد في منتجهم ما يستحق تلك الشهرة والمتابعة، هؤلاء يتوهمون أنهم يحسنون صنعا بسبب مؤشرات المتابعة فيزدادون قبحا وجرأة وتجاوزا دون حسيب أو رقيب، في الوقت الذي تظهر فيه شخصية تختفي شخصية وهكذا لأنها أشبه بفقاعات الصابون وهرطقات الفلاشات اللحظية، فشهرتهم الواهية سرعان ما تذبل مع الوقت، شهرة أشبه بحياة الحشرات لتبدأ غيرها وهكذا!

نحن أمام مشاهير مزيفين دفعتهم وسائل «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية إلى عالم أكبر بكثير من أحلامهم الوقتية، وبتنا نرى لهم جماهير يلتقطون معهم الصور التذكارية ومقاطع سنابية، وتقدم لهم الدعوات لحضور كثير من المهرجانات الموسمية وافتتاح المحلات التجارية الكبرى والمناسبات، وباتوا ضمن الدعايات الترويجية مدفوعة الثمن والتي تدر عليهم الكثير من الأرباح والكثير من المشترين في الوقت الذي ينطرح فيه السؤال الآخر: من صنع من هؤلاء الحمقى الأغبياء وجعل منهم مشاهير تلاحقهم كاميرات الجوالات؟

لا شك بأننا نحن من صنعنا منهم مشاهير، وساعدت على هذه الشهرة الحمقاء نوافذ التواصل وقنوات التميلح والترزز والشيلات الصاخبة بالصوت الذي يغطي على الحركة والبرامج التي تلبس ثوب الإصلاح الاجتماعي المتلبس ظاهريا فقط!

نحن من منحناهم الضوء من خلال متابعتنا لهم وليومياتهم ومقاطعهم السخيفة والتي لا تقدم أي نتاج فكري أو ثقافي أو أخلاقي أو ديني أو منجز يستحق الظهور والإبراز!

تلك اليوميات التي تعاني هشاشة الطرح المتدني لمستويات «السذاجة والخبالة» والألفاظ النابية تلميحا أو تصريحا والسوقية الساقطة والمشبعة بلهجات تشعر معها بالغثيان والتقيؤ نحو الأصفار التي لا قيمة لها، تلك الأصفار التي لا تكون إلا شمال الأرقام دائما على طريقة (خدمة والا شيء) و(والله إني ذحين ناسي يا ولد) و(سوسو والعيال) و(يشوش راسي) و(علي الطلاق والحرام) و(طالبك بعقالي ذا والغداء زاهب) و(المحزم المليان) و(جماعتي عصابة راسي).. والكثير الكثير من الردح الذي لا يسير إلا إلى الأسفل وفق أدلجة ممنهجة دخيلة سافرة باهتة!

وقد تصل تلك المراهقة العبثية لإثارة نعرات قبلية بائدة واجترار تاريخ الهياط وإطلاق النيران في كل الاتجاهات، تلك العقول الفارغة تجاوزت حدود المنطقية والعقلانية حتى أفقدتنا الكثير من لهجاتنا الأصيلة واللذيذة للأسف!

وبتنا نراها حتى في مجتمعاتنا البسيطة تحتل مساحات كبيرة من أوساط شبابنا الذين لم يدركوا أن ترك موروثهم الأصيل واعتناقهم لموروث غيرهم يعدان ضعفا فنيا يعاني من عقدة التقليد والتقليد الأعمى، فيسقطون في وحل المظاهر والشيلات والتقليعات والمصطلحات الشوارعية الدخيلة ناهيك عن تصرفات صبيانية لا تدرك حجم الخطورة والمسؤولية وما أكثرهم وما أقبح أفعالهم!

في وسط هذه الفوضى الأخلاقية قد لا تتنبأ بما قد يفعله هؤلاء الشباب الفاقدون للأهلية والتفكير، فالعاطفة وحدها من تحركهم وتتحكم فيهم بعيدا عن العقل!

فكم هي المناسبات التي نرى فيها شبابنا مقلدا لشخصيات هامشية في رحلة الحياة كتلك الشخصية الدرباوية المريضة نفسيا، والتي تعاني الشذوذ الأخلاقي، والمنبوذة اجتماعيا ولباسها القذر وقد اعتصبت بأشمغة بالية، ومنظر شعورهم المقزز وطول أظافرهم القبيح، ومسميات تشابه وجوههم الكالحة!

بعض شبابنا ظل متأثرا سلبا لا مؤثرا إيجابا في مجتمعه، ويبقى السؤال الصعب في المرحلة الصعبة والخطيرة أيضا: من يخلصنا ويخلص فكر شبابنا من هذا التهريج السافل والغثاء الأحوى؟!

إن الخوف المحتمل أن ترسخ وتكرس السخافة والتفاهة وتصبح طريقا للشهرة والنجومية والثراء لدى الكثير من شبابنا، وبذلك تسقط القيم والمبادئ والأخلاق والأعراف والتقاليد، ويكون معها تراجع مخيف للوعي والإدراك، وترهل سلوكي تجاه القدوة الحقيقية، ومعها سندفع الثمن غاليا وقد أوجدنا هؤلاء الحمقى الفارغين بيننا، ونصبنا لهم منابر ينطلقون منها، والضحية اختلال مضطرب في تركيبة المجتمع بأكمله من جيل قادم ونشر الفكر والثقافة والمستقبل القادم.

ومضة: في أمريكا وكثير من الدول الأوروبية انتشرت في الشوارع والأماكن العامة لوحات تحذيرية كتبت عليها هذه العبارة:

(stop making stupid people famous) وترجمتها «توقف عن جعل الناس الأغبياء مشاهير».