مرزوق تنباك

ابن اللتبية وما أهدي إليه

الثلاثاء - 25 يوليو 2017

Tue - 25 Jul 2017

ابن اللتبية رجل استعمله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، على جمع زكاة قبيلة بني سليم، ولم تكن الزكاة نقودا ولا عقودا، ولكنها من السائمة، الإبل والغنم، وكانت أنصبة الزكاة في حدها الأدنى من الأغنام شاة على كل أربعين شاة، وتكون واحدة من الغنم بمئة درهم وأخرى بخمسين درهما وثالثة بعشرين والعدد واحد، وكان أذكياء القوم قد أدركوا ما لدى عامل الزكاة من حب الكسب وحق النفس فلم تعوزهم الحيلة أن يجدوا طريقا إلى ما يريد، فكانت الهدية أقرب تلك الطرق وثمنها المفهوم ضمنا أن يأخذ شاة بعشرين درهما بدل تلك التي بخمسين درهما أو بمئة درهم، والعدد واحد مع الفارق بالقيمة بين الشاتين. عاد الرجل إلى المدينة وإلى الرسول والناس وهو يقول على المكشوف: هذا لكم - عدد الزكاة الذي لم يأخذ منه شيئا ولم ينقص شيئا - وهذا أهدي إلي. وكامل الحديث وقصته وموقف النبي من الحيل والتكسب واستغلال السلطة تعرفونه.



والفساد كلمة تراثية ومصطلح متعدد المعاني عربي جاهلي وإسلامي ومعاصر، يتحدث عنه الناس في معان كثيرة حسب سياقات مختلفة تدل على ما يراد بالفساد، والقرآن وصف أن الله لا يحب المفسدين والناس كذلك لا يحبون الفساد، والفساد في الأرض مذموم عمله في كل صوره وأسبابه، ولا تجد من لا ينكره ويكره فاعله، وهو في كل الأحوال خصلة ممقوتة منهي عنها، ومحكوم بضررها منذ الأزل.



وقد جاء ذكر الفساد في آيات كثيرة كلها تنهى عنه وتحذر منه لما له من صلة وثيقة وضرر بالغ على نمو الاقتصاد وعمارة الأرض، ورواج التجارة والإثراء غير المشروع، وتدعو كل الشرائع والأنظمة والقوانين لمنعه وتجنبه من أجل إصلاح معاش الناس، والحث على البعد عنه بكل أنواعه وصوره وما يأتي منه وما يترتب عليه أما معناه المعاصر الذي يتجه إليه الذهن عند سماعه هذه الأيام فإن المقصود منه هو استغلال المال العام والانتفاع منه بغير حق، وذلك لم يكن جديدا هو الآخر فقد عرف الفساد مبكرا في الثقافة العربية الإسلامية في زمنها الأول وقد ملئت الصحائف وضج الناس بشكوى الفاسدين من الولاة والمستغلين للمال العام وشكا الشعراء إلى الخلفاء جور الفساد وظلم الفاسدين: (فهل لك أن تدارك ما لدينا /‏ وترفع عن رعيتك الفسادا).



حجة الفاسدين قائمة في استمرار وطرقها كثيرة وأسماؤها متنوعة فهي مكافأة في حال، وتقديرا للجهود التي يقوم بها المسؤول الفاسد في حال آخر، وهي مرة هدية ومرة مساعدة وتقديرا لشخصه، أما الجديد في تسويغ الفساد فهو جيش المشجعين الذين يقدمون خبراتهم وقدراتهم لتأسيس بنية الفساد الصلدة فلم يعد الفاسد واحدا ولكن مجموعات يعين بعضها بعضا ويساعد على انتشار الفساد ضعف الرقابة وغموض الأنظمة وسطوة الشركات العابرة للقارات. ولم تنهض دولة إلا حين تكون الرقابة على المال العام حاضرة وحاسمة ومستقلة وتكون الأنظمة قائمة وواضحة والقضاء عادل وعامل وليس في عرف القائمين عليه: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، فصلاح الاقتصاد، وفلاح المجتمع وراحة بال الناس ألا يروا الفساد ولا الفاسدين في محيطهم.



Mtenback@