الدرونز والباندا

الثلاثاء - 25 يوليو 2017

Tue - 25 Jul 2017

من منا لا يذكر الثورة التقنية «في ذلك الوقت» عند ظهور الهاتف الأسطوري الملقب بـ «جوال الباندا» ذي الكاميرا الواسعة الكبيرة، والشاشة الملونة، ناهيك عن تصميمه المبهر، وما ترتب على ذلك من إقبال شديد منقطع النظير من الناس لشرائه، والتمتع بخصائصه الخارقة والسابقة لوقتها.

ظهرت فئة في المجتمع - للأسف- أساءت استخدامه، واعتبرته وسيلة جيدة لهتك الأعراض وارتكاب الجرائم الأخلاقية. كان التوجيه الأمني حينها هو «المنع» ومصادرة من يقبض عليه وبحوزته الهاتف المشؤوم، بل إن بعض مشايخنا أفتى بتحريمه، ونتيجة لذلك، أصبحت للباندا سوق سوداء وبيع بآلاف الريالات، واستمر استخدامه إلى أن تعود الجميع على ذلك ورضخ للأمر الواقع.

كل ما سبق يذكرني بتعامل الجهات المعنية (هذه الأيام) مع ظهور تقنية غاية في الأهمية تتمثل في تقنية الطائرات دون طيار أو (الدرونز) كما يحب الغالبية تسميتها، وهي طائرة ذكية بدون طيار على متنها، وتوجه عن بعد ولها فوائد واستخدامات كثيرة لا حصر لها.

بحكم دراستي في الولايات المتحدة واختصاصي بهذا الشأن، عندما عدت لأرض الوطن فوجئت بأنها ممنوعة، وأنه في حال القبض عليك متلبسا، تصادر منك الطائرة، ويحقق معك للتأكد من عدم معاودة الكرة. كانت بالنسبة لي محل استغراب شديد خصوصا بعد ما رأيت التقدم الهائل وتوظيف هذه التقنية في الولايات المتحدة لإيجاد حلول ذكية وعصرية للعديد من المجالات في وقتنا الحالي.

من وجهة نظري إن المنع لن يكون الحل الأمثل لانتشار هذه التقنية، خصوصا أن المجتمع السعودي يعتبر مجتمعا واعيا وراقيا ويرغب دائما بالتقدم لمواكبة شعوب دول العالم الأول. في اعتقادي أن المبادرة لتوعية مجتمعنا وتزويده بالمعلومات الأساسية لاستشعار أهمية هذه التقنية للحيلولة دون وقوع بعض أفراده في الاستخدام الخاطئ لهذه التقنية – لا سمح الله - هي الحل الأمثل. بالإضافة إلى إيجاد قوانين واضحة صريحة، وعقوبات صارمة رادعة لكل من تسول له نفسه القيام بمحاولة الاستخدام غير الصحيح. أيضا عمل مراكز تدريب متقدمة لتأهيل مشغلي الطائرات وتعليمهم الاستخدام الأمثل لها بشكل آمن وصحيح.

بالاستناد للإحصائيات والتقارير الرسمية المقدمة من المنظمة العالمية للأنظمة غير المأهولة AUVSI، بحلول عام 2025 ستولد هذه الصناعة حوالي مئة ألف وظيفة للسوق الأمريكي. أيضا من المتوقع وصول عدد الطائرات بحلول عام 2020 إلى 2.7 مليون، وفي مصادر أخرى إلى 13 مليون طائرة بدون طيار تحلق في الأجواء.

ربما بدأ القارئ الكريم يتساءل عن أهمية وفوائد واستخدامات الدرونز، وهل يمكن أن يكون لها مردود اقتصادي أو اجتماعي؟

الجواب هو نعم بالتأكيد، ستخلق آلاف الوظائف وفرص عمل لشباب وشابات الوطن، وستساهم هذه التقنية في الارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة بحلول ذكية وعصرية في كثير من المجالات المدنية والتجارية الهامة، مثل الصناعة والزراعة والمسح الجوي.. إلخ. أضف إلى ذلك أنها فرصة خصبة للتصنيع والتطوير لتحقيق التقدم التكنولوجي على مستوى العالم، وبما أن التوجه في الوطن بقيادته الحكيمة التي وضعت خطة للرؤية المستقبلية الطموحة 2030 بقيادة عرابها أميرنا الشاب سمو ولي العهد محمد بن سلمان، لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن صنبور النفط الذي لا يزال يتدفق منذ اكتشافه عام 1933، أرى أنه الوقت المناسب للبداية في تنظيم هذه الصناعة الواعدة، ودعمها وتشجيعها بالاستثمار فيها لتحقيق الأهداف المرجوة.