سليمان الضحيان

قراءة في الإسلام الأوروبي

الاثنين - 24 يوليو 2017

Mon - 24 Jul 2017

كثيرا ما يخطر ببالي فرضية: ماذا لو وظف أصحاب العنف والإرهاب طاقتهم وأموالهم وجهودهم في العمل السلمي في أوروبا في مجالات الفكر، والتعليم، والدعوة، والإعلام بدل حوادث العنف الإجرامية التي شوهت الإسلام في المخيال الشعبي في الدول الغربية؟



إن من أعظم الساحات التي كان ينبغي أن تتجه لها الجهود الإسلامية في الدعوة والفكر والإعلام هي الساحات الأوروبية نظرا لوجود الحرية والديناميكية، ولأنها مع أمريكا مصدر التأثير الثقافي في العالم كله، ويبدو أن المسلمين في أوروبا في سبيلهم لخلق إسلام أوروبي متصالح مع الحضارة الغربية، وهو ما سيكون له تأثير عميق في مستقبل الإسلام كله، فوفقا لإحصائيات تقديرية قامت بها بعض المراكز المتخصصة يتراوح عدد المسلمين في أوروبا الغربية بين 16 إلى 23 مليون مسلم، وأن نسبتهم ستتجاوز الـ10% بحلول عام 2050م، ونسبتهم اليوم في فرنسا بين 6 - 9%، وحوالي 5% في المملكة المتحدة، وفي ألمانيا 6%. وقد مروا من الناحية الفكرية بثلاثة أطوار، طور جيل الآباء المهاجرين، وقد مارسوا إسلامهم بشكل تقليدي، ولم يكن لهم حضور في البلدان الأوروبية التي هاجروا إليها. وطور الجيل الثاني الذي ولد في الدول الأوروبية، وعاصر دولة الرفاه الغربية، فتوفرت له سبل العيش الكريم، وانقطعت صلته ببلده الإسلامي، وقد تماهى كثير من أبناء هذا الجيل مع الهوية الأوروبية. ثم الطور الثالث جيل الأحفاد، وهو الجيل الذي عانى من التهميش والبطالة، وعايش ثورة الاتصالات مما ساعده على التواصل مع المجتمعات الإسلامية، ومن هنا نشأت إشكالية (الإسلام في أوروبا)، وهي كيفية التوفيق بين الهوية الدينية للمسلم والعيش في مجتمع علماني له تقاليده ونظمه، وهذا ما ولد حالة الغضب الحانقة من التهميش في مجتمع مغاير، وولد حالة بحث عن الهوية لأبناء هذا الجيل، وانضم بعض أبنائه لحركات التطرف والإرهاب احتجاجا على واقعه، وفي المقابل ساهمت سلسلة من الأحداث العنيفة بصنع صورة عنفية للإسلام في الذهنية الغربية ابتداء من احتجاز الرهائن الأمريكيين في إيران، واحتجاز الرهائن الغربيين في لبنان، وفتوى الخميني ضد سلمان رشدي، وأحداث العنف ضد السياح في مصر، وتوج ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتفجيرات القاعدة في لندن ومدريد، وختام ذلك بإرهاب داعش في عدد من مدن أوروبا الغربية، وهذا كله صنع (الإسلام فوبيا) لدى الأوروبيين، وساهم في صعود اليمين المتطرف الرافض لوجود المسلمين في أوروبا.



هذا الواقع المشكل المنذر بتصاعد الكراهية ورفض التعايش، دفع أكثر من 400 جمعية إسلامية أوروبية لعقد اجتماع في بروكسل عام 2008، وأصدروا ما أسموه (ميثاق مسلمي أوروبا)، وهو ميثاق يدعو إلى الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويدعو إلى ترسيخ قيم التعايش والاعتدال والاندماج بين المسلمين وبقية السكان في الغرب، ودفع - أيضا - جمهرة من المفكرين المسلمين في أوروبا مثل الدكتور طارق رمضان، والدكتور مالك شبل، ويوسف صديق، وغالب بن الشيخ، وعبد النور بيداد لطرح رؤى فكرية لتحديث الخطاب الإسلامي في أوروبا؛ ليكون جزءا من الفكر الأوروبي، وذلك بتأصيل حقوق الإنسان، وطرح حلول فكرية لإشكاليات قضايا المرأة، وعلاقة الدين بالسياسة، وإعادة النظر في منهجية التعامل مع النص الديني، ومحصل ذلك أن جزءا من المسلمين في أوروبا رافض للحياة الأوروبية وناقم منها، ويسعى لتقويضها من خلال العنف، وجزء آخر يسعى للاجتهاد الديني لتحويل المسلمين إلى جزء أصيل من أوروبا وحضارتها. ويلخص الباحث الفرنسي المتخصص في قضايا الإسلام جيل كيبيل ذلك بأن مستقبل الإسلام في أوروبا لا يخرج عن أمرين؛ إما أوربة حقيقية للإسلام؛ ليكون نموذجا لباقي العالم، وإما رأس حربة للإسلام الراديكالي الذي سيؤدي إلى خلق بؤر ملتهبة في أوروبا.



فما مستقبل المسلمين في أوروبا وفقا لتلك الرؤية؟

حسب دراسة للدكتور بو مدين بو زيد فإن مستقبل الإسلام لن يخرج عن ثلاث رؤى: رؤية من يرى إمكانية الاندماج والانسلاخ التدريجي للمسلمين في أوروبا عن هوياتهم الأصلية كاللغة، والتقاليد، والانتماء العرقي، مع الاحتفاظ بهويتهم الدينية مع عيشهم في فضاء المواطنة الأوروبية والانسجام مع النظام العلماني السياسي، وهذه الرؤية يشترك فيها آلان غريش، وطارق رمضان.



ورؤية من يرى استحالة ذلك على اعتبار أن الإسلام يطرح نفسه بديلا للأديان، وعليه فإن المسلمين في أوروبا سيزيد فيهم المتطرفون ضد الشعوب المستقبلة لهم.

ورؤية من يرى أن الاندماج سيحصل مهما كان الحال؛ لأن حركة التاريخ وطبيعة الليبرالية التي تتطور وتتكيف ستجعل المواطنة هي الفضاء الذي سيجمع الأوروبيين، وهذا ما يجعل أوروبا تستفيد من مواطنيها المسلمين بإثراء التنوع في ثقافتها على المستوى الديني، وعلى مستوى الثقافة والتقاليد.

وبالنظر لفضاء الحرية الفكرية وديناميكية العمل الفكري في أوروبا فإني أظن أن التجديد الحقيقي للإسلام سينطلق يوما ما من أوروبا بعد أن ينضج فيها مشروع خلق إسلام أوروبي متصالح مع الحضارة الغربية.



@Dohyyan_suliman