مها الحريب

مكاسر على مسواك

الاثنين - 24 يوليو 2017

Mon - 24 Jul 2017

في ساحات الحرم المكي الشريف، وعلى مقربة من الفنادق المكتظة بالمعتمرين كان ذلك المسن يجر خطواته بثقل شديد بحثا عن مكان خال، وجلس بصعوبة بالغة، ثم فرد قطعة من القماش البالية وبدأ في رص أعواد الأراك، أو السواك كما نقول، وهو يتمتم بشفتيه وكأني أسمعه يطلب من الله أن يسوق له المشترين.

على وجهه الطيب علامات الإرهاق والتعب الذي قد لا يتحمله مسن قد جاوز السبعين من عمره، كما يوحي مظهره.

لا أعرف لم شدني منظر ذلك الكهل المسكين، فوقفت أتأمله من بعيد، بدأت حركة المارة أكثر نشاطا كما في كل يوم بعد صلاة الفجر، اقتربت قليلا فإذا بامرأة مسرعة نحو الرجل كأول زبونة يستفتح بها كانت علامات الثراء تظهر بشدة عليها ابتداء من ساعتها الرولكس المرصعة بالألماس، وانتهاء بالأساور التي تزين معصمها من أرقى بيوت المجوهرات، من يدرك القيمة الحقيقة لما ترتديه يعلم أنها تحمل في أياديها ما يزيد عن 100 ألف ريال قيمة حليها، اقتربت وبدأت في تقليب الأعواد، ثم سألته بكم السواك الواحد يا عم؟ أجابها بصوت منهك بـ15 ريالا، أجابته قائلة (باخذه منك بـ5 ريالات) حاولت أن أنصت لأتأكد من صحة ما سمعت.

وإذا هي تكرر عليه ما قالت ثم تعيد وتزيد ومع الشد والجذب ونفس طويل جدا في البيع وافق على المبلغ الزهيد، أخذت الكيس منه ثم ذهبت وعلى وجهها شبح ابتسامة المنتصر ونشوة الرابح، تابعتها ببصري حتى اختفت بين زحام ساكني الفندق الفخم الذي تتجاوز الغرفة فيه في رمضان أكثر من 3 آلاف في الليلة.

حقيقة وقفت متعجبة ومتأملة حال هذه المرأة، كل ما فيها يوحي بالثراء ابتداء من المجوهرات إلى الحقيبة ذات الاسم الشهير والفندق الذي تقطنه، كيف استطاعت أن تبخس هذا البائع المسكين بضاعته، هل كانت ستقوم بذات الفعل في بوتيك كارتييه أو رولكس أو غيرهما من بيوت المجوهرات الراقية، بل ستدفع الألوف برحابة صدر، لا أعترض على حقها في ما تفعله بمالها، لكن أعترض على ما يفعله البعض حين يجد مسكينا يبيع، هذا المسن يترك بيته لأوقات طويلة ويتحمل عناء البقاء في أماكن ليست مريحة، وهو لا يدري هل يبيع أو يعود خالي اليدين، هذا وأمثاله يبحثون عن الرزق البسيط الحلال الذي قد لا يكفيهم كثيرا لكن يكفيهم من سؤال الناس.

أمثال هذه المرأة يستلذون بالاحتفاظ ببعض الريالات كثمن يعبر عن مهارتهم في البيع والشراء أو كما نقول بالعامي «المكاسر في البيع». وأنا أرى هذا المشهد أمامي تذكرت قصة أحد الصالحين كان حين يرى الباعة يشتري منهم وهو ينوي نفعهم دون أن ينقص من ثمن الشراء شيئا، وهذا من الإحسان العظيم للناس.

يا ليتنا نفكر ونتذكر أحوالنا حين ندفع في المطاعم والفنادق والمحلات الكبرى دون تردد وبكرم بالغ، وحين نشتري من هؤلاء الباعة، أيهم أحق أن ندفع له بسخاء دون أن ننهكه بالأخذ والرد حول السعر حتى نصل لأقل سعر.. موقف يستحق التأمل حول كثير من سلوكياتنا في الحياة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال