من المعمل إلى العيادة.. ثورة في علاج الأورام!

الجمعة - 21 يوليو 2017

Fri - 21 Jul 2017

نتذكر جميعنا الفيلم القصير الملهم الذي نشر على الانترنت حول حقن الأطباء لفتاة تدعى Emily Whitehead «إيما» بالفيروس المسبب للإيدز لعلاجها من سرطان الدم! رغم تعاطفنا وإعجابنا بالإنجاز الطبي، إلا أن الفيديو كان مضللا ولم ينجح في إيصال المعلومة الطبية بالشكل الصحيح.

فما هي قصة إيما والعلاج الذي أنقذها من الموت؟

فكرة العلاج تقوم على إعادة برمجة الخلايا المناعية البشرية للتعرف على السرطان وتدميره، حيث يتم عزل خلايا الدم البيضاء التائية من المريض (إحدى الخلايا المناعية في الجسم) وهندستها وراثيا باستخدام فيروس لتصبح لها القدرة على التعرف على خلايا الدم السرطانية وتدميرها. بعدها تعاد هذه الخلايا داخل جسم المريض لتتعرف على الخلايا السرطانية وتقتلها.

تعد إيما التي كانت تبلغ من العمر 6 سنوات وتواجه الموت من سرطان الدم الحاد أول مريض تلقى هذا العلاج كملاذ أخير. لم يكن أمام الأطباء خيار آخر غير تجربة هذه التقنية الحديثة التي تعتمد على هندسة الخلايا المناعية لتحريض الجهاز المناعي ضد خلايا الدم السرطانية. ولله الحمد نجحت هذه الخطة العلاجية والآن تتمتع إيما التي تبلغ من العمر حاليا 12 عاما بالصحة وشفيت تماما من السرطان.

في منتصف يوليو من هذا العام، استبشر العالم خيرا حينما أوصت اللجنة الاستشارية في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA باعتماد العلاج الجيني لمرضى سرطان الدم الذين لم يستجيبوا للعلاجات الروتينية. وبتصويت بالإجماع، اتفقوا على أن فوائد هذا العلاج تفوق مخاطرة علاج الأطفال والشباب الذين لديهم أحد أنواع سرطان الدم المستعصية والتي لم تستجب للعلاج أو انتكست بعد العلاج الروتيني. يذكر أن إيما ووالداها حضروا الجلسة لمشاركة اللجنة نتائج هذا العلاج الجيني.

بتتبع قصة نجاح هذا الإنجاز الطبي نجد أنه نتاج سنين من العمل الشاق في الأبحاث العلمية لتنمية الفكرة وتطويرها ومن ثم تطبيقها على المرضى. حيث بدأت فكرة استخدام تقنية CAR-T Cell Therapy قبل سنوات عدة، حيث عملت مجموعة من علماء الأبحاث بقيادة الدكتور كارل جون من جامعة بنسلفانيا على تطوير تقنية الهندسة الجينية للقضاء على الأمراض السرطانية. بعد سنوات من الأبحاث الأساسية، وبعد اجتيازه وبنجاح للخطوات البحثية الصحيحة، تم عرضه على اللجنة الاستشارية في إدارة الغذاء والدواء كآخر جهة تنظيمية لفسح هذا العلاج، وبناء على تصويت الأعضاء، سوف تقرر الـFDA بالموافقة أو الرفض في سبتمبر المقبل، وبذلك قد يكون أول علاج جيني معترف به.

رغم النتائج الهائلة لهذا العلاج إلا أن الطريق ما زال طويلا ليصبح متاحا للجميع. الدراسات السريرية الحالية أثبتت وجود أعراض جانبية قد تكون مهددة لحياة المرضى مثل رد الجهاز المناعي والمعروف بـ «عواصف السايتوكينات» والتي من أعراضها الحمى العالية، وفشل بعض الأعضاء. لذلك ما زالت التجارب السريرية قائمة حول العالم والتي تقدر بنحو 110 دراسات مقننة لإثبات نجاح هذه التقنية وتطويرها وخفض تكلفتها العالية.

إذن البحث العلمي هو أساس تطور الرعاية الطبية التي نتمتع بها اليوم. فالإنجاز الطبي مبني على سنوات من الجهد من قبل الباحثين والجهات الداعمة. يذكر أن هذا المشروع لم يدعم في بداياته من المعهد الوطني الأمريكي للصحة NIH وذلك لأنه محفوف بالمخاطر! لذلك يجب أن نؤمن بالعلوم، والعلوم الأساسية على وجه الخصوص، حتى لو استغرقت وقتا أطول ليتم تطبيقها على المرضى، ولكن هذا هو الطريق الصحيح قبل تجربة أي علاج حديث. قصة إيما تعتبر من أهم التطبيقات العملية على ترجمة العلوم الأساسية إلى تطبيقية (من المعمل إلى العيادة).

فاطمة آل هملان - (عالمة أبحاث في علم الفيروسات)