قم له

الجمعة - 21 يوليو 2017

Fri - 21 Jul 2017

قم له، بل قوموا له جميعا! المعلم، وما أدراك ما المعلم؟ رب العملية وربانها، ولبها وسيدها، والمضغة منها التي إن صلحت صلحت العملية كلها، والتعبير هنا بشيء من المجاز؛ وإلا فإن العملية تشاركية تتوزع أدوارها على عناصرها السابقة واللاحقة.

بيد أن المعلم من بين جميع هذه العناصر يتميز بأنه العنصر الأكثر مرونة، أي إنه يستطيع أن يتكيف، ويكيف ما شاء من العناصر الأخرى (المنهج – الطالب – البيئة..)، ويستطيع أن يخضع جميع هذه المكونات للمضي بالعملية التعليمية قدما متى عزم وجزم على أن يكون مكافأ، يصل العملية التعليمية إن وصلته ويقطعها إن قطعته، فهذا الصنف من المعلمين الذين لا يحسنون في عطائهم إلا إذا توفر لهم كل شيء يريدون بيئة مجهزة، وطالبا مستجيبا، ومنهجا مطاوعا، هؤلاء لن يفلحوا ولن يدعموا التعليم؛ لأنه لن تصح لهم مطالبهم، فالبيئة ولا شك يعتورها النقص، والطالب ولا شك متردد بين حسن الاستجابة وسوئها، والمنهج فيه ما فيه، فإذا انتظر المعلم إلى أن يصلح هؤلاء جميعا ثم يجيد هو العطاء، فسيطول انتظاره، ولن يضيف شيئا، وسنسمعه متذمرا، يكرر أسطوانة مشروخة تذم الطالب والبيئة والمنهج والمجتمع بأسره، وهكذا نعيد انتكاساتنا بلا جدوى.

فيا أيها المشرف بشرف المهنة، المكلف بعبئها كن لها، واعلم أنك الحقيقة الحية المتغيرة في عالم من الثوابت الجامدة، فالمنهج قالب ثابت يقدم للجميع دون أدنى مراعاة للفروق الفردية بين المتلقين، وكذلك حال البيئة المدرسية، ومعروف في المعادلات أن المتغير هو الذي تعتمد عليه النتائج، في ظل ثبات المعطيات الأخرى؛ لذا فتقدم الأجيال مرتهن بك، منسوب إليك، لا إلى مؤسسة تعليم ولا إلى منهج ولا بيئة، و»على قدر أهل العزم تأتي العزائم»، وحكمة الله اقتضت أن تقوم عزائم التعليم كلها على المعلم.

فلتكن لعقباتها من المذللين، وعلى لوائها من المحتسبين، ولا تفوت الأجر مع المشقة التي تجدها وتعانيها فعلا.

وهمسة إلى من يهمه أمر التعليم ومستقبله: من الواقع الثابت والحقائق الجلية أن عددا هائلا من المعلمين متذمرون من المهنة؛ لما يجدون من عنائها وعنتها، ويتمنون - اليوم قبل غد - وجود البديل عنها؛ ليودعوها غير مأسوف عليها، فتخيلوا موظفا يعمل تحت وطأة هذه النفسية المكرهة!

ارفعوا عن المعلم نظرة دونية تجعل مهنته في ذيل المهن إذا ما عدت المهن، اغرسوا في الأجيال التي تنبت بغرس يديه، وتزهر على راحتيه، اغرسوا فيها يقينا أن المعلم مشكاة طريقهم، وسراج خطاهم، ونور مستقبلهم.

أعلمت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفسا وعقولا؟