الصناعة بين الحقيقة والوهم

الخميس - 20 يوليو 2017

Thu - 20 Jul 2017

مما لا شك فيه أن التقدم التكنولوجي والصناعي يعتبر أمرا حيويا بالنسبة لأي أمة في هذا العصر، فقوة الدولة واستقلالها السياسي أمر مرتبط بإنتاجها للأدوات الالكترونية والصناعات الحديثة، ولذلك لا بد من البدء في التنمية الصناعية من حيث انتهى الآخرون، وبذلك نوفر الوقت والمال والجهد، وهذا لن يكون إلا بالاستفادة من خبرات الدول المتقدمة واتباع الخطوات نفسها التي اتخذتها هذه الدول، لكن بما يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا.

إن الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تقوم ببناء قواعد عسكرية في الدول النامية للحفاظ على مصالحها وتهديد بعض الدول، وهذا الأمر نفسه يحدث في الصناعة فالحرب بين الدول ليست عسكرية فقط بل اقتصادية، فالدول الكبرى أيضا تقوم بإنشاء قواعد صناعية في الدول النامية مستغلة في ذلك توفر الأيدي العاملة الرخيصة، وهذا لا يعني تحول تلك الدول لصناعية بالمعنى الحقيقي، وإنما هي مجرد أدوات مسخرة في الصراع بين الدول الصناعية، ولا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى إعادة تحجيم كل من اليابان وألمانيا من خلال بناء قواعد صناعية لها خارج الحدود في بعض دول شرق آسيا، ولذلك علينا الحذر عند محاولتنا اللحاق بالدول الصناعية من مثل هذه الممارسات.

إن تجربة الصين الصناعية الرائعة يجب علينا أن نستفيد منها خاصة في توطين الصناعة، فالصين رحبت بالاستثمارات الأجنبية بشكل كبير ووفرت لها الكثير من المميزات، ولكنها اشترطت نقل التكنولوجيا المتقدمة إليها، وتدريب الصينيين على استخدامها، لأنها تضررت مما يسمى بأسلوب «تسليم المفتاح» الذي يقتصر دور المستثمر الأجنبي على افتتاح مصنع وتصدير الأجهزة الالكترونية أو بعض المعدات دون التعرف على كيفية التصميم أو ما يعرف بنقل التقنية، وبذلك أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وصاحبة المرتبة الأولى عالميا من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى البلاد، والتي بلغت 129 مليار دولار عام 2014، وأصبح لديها أكبر احتياطي عالمي بالعملة الأجنبية بحجم يصل لـ 3.2 تريليونات دولار (التريليون 1000 مليار، مليون مليون)، ونجحت الصين في رفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بأكثر من 40 ضعفا من 155 دولارا للفرد عام 1978 إلى نحو 6400 دولار عام 2015، لكن مع ذلك يبقى ذلك أقل من المتوسط العالمي في إشارة إلى التطور الإضافي اللازم، وفقا لموقع العربية نت.

ليس هذا فحسب، بل قامت الصين باقتناص الفرص لكي تصل إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم حتى لو رفض نقل التقنية إليها، فشركة سيارات صينية تسمى جيلي فشلت في إنتاج سيارة بجودة عالية تستطيع المنافسة بها في الأسواق العالمية، فقامت بشراء شركة «فولفو» السويدية لصناعة السيارات لتنقذها من الإفلاس، وبعد ذلك قامت بنقل تكنولوجيتها المتقدمة للصين، خاصة أن راتب العامل بالشركة السويدية يعادل 8 أضعاف العامل بالشركة الصينية، وبذلك أنتجت سيارة بتقنيات عالية وبسعر رخيص منافس في السوق العالمي، وتقوم الشركة الصينية الآن ببناء 3 مصانع لتصنيع سيارة «فولفو» في الصين، وهذا مثال جيد لما ينبغي أن تفعله بلادنا لنقل التكنولوجيا المتقدمة إذا رفض الغرب نقل التقنية إلينا مثلما يفعل مع معظم الدول النامية، أو قام ببناء مصانع «تسليم مفتاح».

تتجلى أهمية التجربة الصينية في أنها أصبحت نموذجا يتحدى النموذج الليبرالي الغربي القائم فقط على الملكية الخاصة بدلا من الملكية العامة، وإطلاق الحريات دون حدود كدليل على التقدم، بل إن الكساد الذي يضرب الدول الأوربية المتقدمة أو الانتعاش الهش في اقتصاد الولايات المتحدة يجعلنا أن نتطلع إلى الصين باعتبارها النموذج الملائم والقابل للمحاكاة من وجهة نظري، فلك أن تعلم أن اقتصاد الصين ساهم بثلث إجمالي النمو الاقتصادي العالمي في 2015، وهو ما يشكل من 3 إلى 4 أضعاف تأثير الاقتصاد الأميركي عالميا، بحسب ما خلصت إليه صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

وأخيرا أي نهضة صناعية ببلادنا لا بد أن تكون حقيقية وليست وهمية، وهذا يكون من خلال نقل التقنية الصناعية بشكل حقيقي، وليس مجرد افتتاح فروع لمصانع دولية تنتج بعض المنتجات التي لا نعرف كيف تنتج، ونكون سعداء بالكتابة عليها «صنع في السعودية»، صحيح هي كذلك من حيث المكان فقط، لكن من حيث المعرفة والعمال القائمين على هذه الصناعة ليست سعودية، وقس هذا الأمر على صناعة السيارات والعديد من الصناعات الأخرى.