عبدالله محمد الشهراني

دراسة الطيران بين الإفلاس والموت

الأربعاء - 19 يوليو 2017

Wed - 19 Jul 2017

خلال الأيام الماضية تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خبرا حزينا، كان عن وفاة الشاب محمد جاسر العنزي إثر حادث تحطم طائرة التدريب التي كان يستقلها مع مدربه في ولاية فلوريدا بأمريكا. غادر محمد الدنيا بابتسامة أصيلة وخلق رفيع بشهادة زملائه في أمريكا وكل من عرفه وقابله، غادر محمد تاركا خلفه عائلة بها وردة صغيرة تدعى مهرة، مات محمد العنزي وهو يسلك طريقا يلتمس فيه علما فسهل الله له به طريقا إلى الجنة - إن شاء الله. أحر التعازي والمواساة لأسرته وأقاربه وأصدقائه.



هنالك عدة أسئلة تطرح في هذا الصدد (حيرت حتى العلماء!)، إلى متى ننتظر ولادة مدرسة أو معهد طيران في المملكة تكون كلفة الدراسة فيه معقولة؟، كم هم عدد المقتدرين الذين يستطيعون دفع مبلغ 400 ألف ريال لدراسة أبنائهم؟، كيف يعقل أن نرى هذه الندرة في المساحات الخاصة بالطيران ونحن نعيش في شبه قارة!؟، ماذا فعلنا بذلك المستثمر الوطني لكي يهرب إلى قبرص ويفتتح مدرسة طيران هناك!؟ (ترى من جد ما أمزح... هج وراح قبرص). بيروقراطية قاتمة جعلتنا نتأخر في مجال تدريب ودراسة الطيران، بيروقراطية شرسة قاتلت الأصوات والأقلام التي طالما كانت تطالب بإنشاء مدارس طيران جديدة، أو بدعم المستثمرين في هذا المجال مع العلم بأن أغلب المستثمرين يبحثون عن التسهيلات الإدارية أكثر من المادية.



كم هو مؤسف أن نجد كلفة دراسة الطيران في المملكة باهظة جدا تصل إلى ثلاثة أضعاف كلفة الدراسة في أمريكا، مما يضطر شبابنا إلى السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتعرضون في بعض المعاهد هناك إلى الابتزاز المالي من ناحية، وإلى الموت أو الخطر من ناحية أخرى. معاهد تجبر الطلاب على توقيع أوراق كثيرة عند الوصول، الهدف منها قطع الطريق عليهم حال عدم رغبتهم في الاستمرار. مدارس تفتقر إلى السلامة والجودة، تمتلك طائرات تدريب يعود تاريخ تصنيعها إلى السبعينيات الميلادية، وسجل صيانة غير موثوق به، إحدى تلك المدارس سجلت أربعة حوادث في سنة واحدة فقط. هذه المعلومات موجودة ويعرفها أغلب الطلاب، لكن وكما يقال -المضطر يركب الصعب - والموضوع عبارة عن رخصة معترف بها في نهاية الأمر. شخصيا لا أتفق مع هذه الفلسفة لأن الرخصة لم تعد المعيار الوحيد، وإن اسم المدرسة أو المعهد له دور كبير في التوظيف خصوصا لدى شركات الطيران الحريصة على الجودة العالية والمستوى الرفيع.



ختاما... أقترح على الجهات المسؤولة عن برنامج «وظيفتك.. وبعثتك»، تحويل ميزانية البرنامج إلى الاستثمار داخل بلادنا بدلا عن الخارج، كيف؟، أولا عن طريق دعم مشروعات المستثمرين في هذا المجال من ناحية تذليل العقبات الإدارية وخفض أسعار رسوم الخدمات وتقليص الإجراءات. ثانيا إنشاء مطارات تخصص فقط لتعليم الطيران. ثالثا ابتعاث الطلبة داخليا في نفس المشروعات التي تم دعمها، لضمان استمرارية هذه المشروعات من ناحية الدخل. رابعا ممارسة الضغط على هذه المشروعات من ناحية كلفة الدراسة للطلبة غير المبتعثين بعد إعطاء الدعم المطلوب للمشروع إداريا وماليا. وبهذا نسهم حقا في نهضة الطيران في بلادنا، ونوفر على أبنائنا مشاق التنقل والترحال، ونحول بينهم وبين ما قد يحيط بهم في بلاد الغربة من أخطار، إضافة إلى ضمان بقاء رأس المال العام والخاص داخل البلد بدلا من تصديره.



ALSHAHRANI_1400@