مرزوق تنباك

تفاؤل الشباب وتشاؤم الشيوخ

الثلاثاء - 18 يوليو 2017

Tue - 18 Jul 2017

عندما أتحدث إلى جاري وصديقي الكاتب الروائي عبدالله السعدون أجده يمثل جانب التفاؤل المشرق، وينظر إلى المستقبل نظرة وردية، ويكبر عنده الأمل بأن يكون مستقبلنا زاهرا وخيرا مما نحن فيه، يكتب عن التعليم كثيرا ويؤمل أن يكون في الأجيال القادمة من يغير الحال، ويطور في آليات العمل، ويجعل التعليم هو الأمل الذي يراهن عليه، سافر بعد تقاعده كثيرا، واهتم ببرامج التعليم في كل بلاد زارها، ولا أدري هل كانت رحلاته تلك برغبة منه شخصية، وتطوع لوجه الله، وشغف بالمعرفة، واستزادة منها ليثبت أسباب تفاؤله وصدق توقعه، أو تكليف من جهات مسؤولة أرادت له أن يطلع ويشاهد ما لدى الناس؛ ليكون على علم ويشهد بما رأى وعلم.



ونسيت أن أقول لكم إن الصديق عبدالله السعدون عضو في مجلس الشورى للفترة الثالثة، وكان لواء طيارا وقائدا حربيا في سلاح الجو السعودي، أي إن صاحبي لديه خبرات كثيرة وتجارب تشفع لما يرى، واهتمامات مدعومة بقلق شخصي، وتطلع إلى مستقبل أفضل ليس من فراغ، ولكن من معرفة وأمل وهذا الوجه المتفائل الذي أعده مفيدا.



يقابله موقف مختلف لمحدثكم الذي قضى أكثر من أربعين سنة بين صالات المحاضرات ومع الطلاب والطالبات في المحاولات لتطوير التعليم، يستقبل كل عام جيشا من الطلاب القادمين بكل أمل الشباب وتطلعات المستقبل، ويودع فوجا غيرهم إلى ميدان الحياة الواسع الذي أعدهم التعليم لخوضه مع برامج الحياة المفتوحة على كل الاتجاهات، كان لا بد له أن يتفاءل مثلهم، ويجتهد بكل ما أوتي من قدرة على الصبر ألا يبدي تشاؤمه من المستقبل، حتى يدفعهم إلى المزيد من الأمل والفرح.



ويعرف أنه من الإثم الكبير أن يواجه أمل الشباب وتطلعاتهم بتجارب الشيوخ وكآبتهم، فيطوي كشحا عما يعرف، ويظهر سروره بما يتمنى أن يحدث، وغير ذلك يقرأ كثيرا في صفحة الأحداث التي مرت ويعرف التجارب التي انقضت.



كان التعليم الذي نعرفه أمس أفضل بكثير من التعليم الذي نراهن عليه اليوم، التعليم نبتة رقيقة لا تنمو في الفتن والاضطرابات والحروب، وكان الوطن العربي دولا قائمة ومجتمعات آمنة، يذكر جيدا أن جميع الدول العربية كانت مستقرة ليس فيها فتن ولا تخوض حروبا داخلية ولا توجد فيها عصابات ولا قتال على الهوية.



والتعاون هو الواضح في كل شيء، ولم يلبث أن تبدل الحال وتغير المجال، يرى بأم عينه كما ترون اليوم أن العراق تبدلت أعلامه وتغيرت آطامه، وهو أكبر دولة وأغنى أرضا وأقوى تعليما في الماضي، فلم تزل به الأحداث حتى صار دولا وعصابات، لا يأمن فيه الجار جاره، ولا المعرفة معارفه.



ومثله كان الشام قبل ستة أعوام، دولة قوية ومضرب المثل في الاستقرار، كان التعليم في الشام يأتي قبل كل البلاد العربية، وها هو اليوم تقتسمه الرغبات وتقاتل على أرضه شتى الملل والنحل والجماعات، لم يقه التعليم شر ما وقع، ولم يجبر صوابه من التصدع حتى صارت تقاتل فيه كل أجناد الأرض، لا تدري لم يقاتلون، جاؤوا من كل فج عميق، لا يجمعهم نسب ولا أرض ولا سبب.



زعموا أن أسباب فتن العراق والشام طائفية، وأن النجاة بالوحدة المذهبية، وليس الأمر كما زعموا ولا قريبا منه، فمثل العراق والشام كان مصير ليبيا، وهي قبيلة عربية ليس فيها اختلاف مذهب ولا طائفية.



خلاصة ما بين الرأيين أن التعليم أمل كل أمة، ولكن بشروط نجاحه التي لا بد منها، ولا أمل بدون تحققها، وأولها استقرار أمني ومنهج علمي وحرية في الاختيار، وقبل ذلك وبعده عناية للمبدع، وتشجيع القادرين والاهتمام بالنوعية ولو على حساب الكمية، وهذا ما ليس موجودا حتى الآن.



Mtenback@