فيصل الشمري

العلاقات الدبلوماسية وتجاوز الخطوط الحمراء

السبت - 15 يوليو 2017

Sat - 15 Jul 2017

في الفترة الماضية لم تكن العلاقات الدبلوماسية في أفضل حالاتها بين دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية، وقطر من ناحية أخرى. فالمتابع لآخر التطورات على الساحة الدولية يجد أن العلاقات كانت تمر بمرحلة من عدم الاستقرار، ويأمل بوجود بريق أمل للتحسن على المدى القصير.

في قمة الرياض التي عقدت مؤخرا وضمت قادة كل من المملكة العربية السعودية، الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى رؤساء 55 دولة، تم الاتفاق بالإجماع على محاربة الفكر المتطرف والإرهاب بجميع أشكاله. نص البيان الختامي للقادة على أن دول المنطقة والعالم بأجمعه لن تقف مكتوفة الأيدي وغير مبالية تجاه الأفعال الإرهابية، ومن يمولونها، وستواجه بعزم كل من يدعم ويرغب في زعزعة أمن واستقرار دولة ما.

ذاقت كل من المملكة والولايات المتحدة مرارة الألم نتيجة للآثار السلبية التي تلت عددا من الهجمات الإرهابية، لذا، فكلتا الدولتين تتقاسمان العزم والإرادة الصادقة لمحاربة هذا التطاول الإرهابي ومحوه من الوجود. مراجعة سريعة لبعض أهم الأحداث المأساوية التي حدثت وتحدث منذ عام 2011، ستعطي تفسيرا أفضل للوضع الراهن الذي وصل إليه العالم، بالإضافة للوسائل التي تم اتخاذها لوقف هذا الهجوم.

من الطبيعي أن يكون هناك حدود للتسامح والعفو، لكن عندما يصل الأمر للمس بسيادة دولة ما أو زعزعة أمنها واستقرارها، عن طريق دعم الجماعات الإرهابية وتمويلها، فإن أي قرار حكومي رادع لوقف وإنهاء هذا التطاول هو أمر موضع ترحيب، ويجب اتخاذه في أسرع وقت، خاصة عندما يكون هناك خطر محتمل لهجمات وتهديدات مستمرة ومتعمدة نابعة من جهة واحدة معلومة المصدر.

في عام 2011 قررت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة إرسال ما قوامه ألفا جندي، من قوات درع الجزيرة إلى مملكة البحرين، بعد حصول هجمات واضطرابات هددت أمنها واستقرارها، كانت تقف خلفها وتدعمها إيران. جاء هذا الدعم العسكري كردة فعل طبيعية بعد أن صرحت إيران وادعت أمام وسائل الإعلام بأن البحرين مقاطعة تابعة لها، وهو موقف غير عقلاني، ولا يراعي أيا من القوانين والمعاهدات الدولية، تم فيه التطاول وتهديد دولة أخرى ذات سيادة كاملة على أراضيها. الادعاء المباشر والهمجي من طرف إيران اعتبر تطاولا وتهديدا صريحا لدولة البحرين، ورسالة واضحة لا تحتاج إلى الكثير من التفسير لفهم مغزاها. لا يخفى على أحد أن إيران تدعم الإرهاب والإرهابيين، بهدف زعزعة أمن واستقرار المنطقة، ولإثارة البلبلة بين الدول بشكل يخدم مصالحها، ومن ثم تقف متفرجة على نتائج أفعالها.

بعد النجاح الخليجي في كبح جماح التدخلات الإيرانية في البحرين، بدأت إيران محاولة أخرى عن طريق ممارسة تدخلاتها غير القانونية في المنطقة، وفي اليمن تحديدا، عن طريق تعطيل أحد أهم منافذ التجارة البحرية في العالم والواقع على البحر الأحمر. في نهاية المطاف اتخذت المملكة العربية السعودية قرارا بالتدخل في اليمن، وذلك بعد طلب الحكومة الشرعية هناك مساعدتها. هذا التدخل جاء نتيجة للعديد من الأسباب، فعلى سبيل المثال، لكبح محاولات إيران المباشرة لدعم الجماعات الإرهابية وزرعها في المنطقة الحدودية مع المملكة، ووقف محاولات تهريب السلاح لداخل الحدود السعودية مما يشكل تهديدا صريحا لأمنها، والقضاء على التهديد الإرهابي الموجه ضد المملكة والمنطقة بشكل عام من الداخل اليمني.

الجدير بالذكر أن أخطر اثنتين من الأيديولوجيات التي كانت في الشرق الأوسط والعالم العربي هما اللتان تتبناهما جماعة الإخوان المسلمين والخمينية التي تنبع من إيران، وكلتاهما شريك في تمويل ودعم الإرهاب، وكلتاهما تسعى إلى زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة، والاستيلاء على السلطة بالقوة إذا لزم الأمر، وفي نهاية المطاف سيفتقد العالم للأمن إذا ما تمكنتا من مواصلة مطامعهما التوسعية في المنطقة.

بالإضافة لهذا، فكلتاهما استخدمت الإرهاب لمهاجمة رؤساء دول كما في مصر، ودبلوماسيين من السعودية، وجنود ومدنيين من الولايات المتحدة. أيضا، اعتبارهما الرعاة الأيديولوجيين للجماعات الإرهابية الأكثر راديكالية التي عرفها العالم، وهما القاعدة وداعش. لا يسعى الإخوان المسلمون والخمينية إلى العيش بسلام مع من هم من خارج دائرتهما المختارة بدقة. كلاهما يعمل ويخطط في الخفاء وعند كشفهم سيتفككون ويختفون.

من ناحية أخرى، قطر كانت ولفترة طويلة ملجأ وملاذا للعديد من أكثر المتشددين من أصحاب الفكر الضال والمتطرف، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وطالبان. دعمت قطر توجه إيران ومن ثم قادة الفكر الراديكالي الناتج عن الثورة الخمينية، والأكثر من هذا سمحت بوجود عدد غير قليل من عناصر جيش فيلق القدس وأفراد من الحرس الثوري الإسلامي على أراضيها. بالإضافة لهذا، تواصل قطر دعمها وإيواءها لبعض القيادات المتطرفة، والتي تمثل تهديدا لزعزعة أمن واستقرار مصر، ومجلس التعاون الخليجي وأفغانستان وغيرها.

الأحداث الأخيرة أثبتت بالأدلة أن قطر تعتبر من كبار داعمي القاعدة، ووفرت لها عتادا عسكريا متنوعا، مما سمح للمجموعات الإرهابية بتقوية أركانها لتقاتل بشراسة في الحرب السورية. بالإضافة لهذا، تصنف قطر منذ البداية بأنها من كبار الداعمين لتنظيم داعش، وقامت مؤخرا بدفع فدية تقارب المليار دولار لتحرير بعض الرهائن القطريين، ذهب جزء كبير من هذه الفدية إلى طهران، بينما ذهب جزء آخر إلى جماعة حزب الله، بالإضافة لما يقارب 300 مليون دولار ذهبت للجماعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا، تحرير الشام وأحرار الشام.

ختاما، وبعد سرد لأهم القضايا، يتضح وبلا أدنى شك أنه تم تجاوز الخطوط الحمراء في البحرين، والآن تم تجاوزها في اليمن، وذلك بالتعدي على سيادتهما والمساس بأمنهما. قطر على شفا الاقتراب من الخطوط الحمراء بتجاوزاتها في المنطقة والعالم، وعليها إظهار التعاون الصادق وغير المشروط، لأن التغاضي والصفح عن هذه التجاوزات خيار غير مطروح بعد اليوم.