ورحل العطاس المستشار الأمين

الجمعة - 14 يوليو 2017

Fri - 14 Jul 2017

فقدت مكة المكرمة في اليوم الرابع من شهر شوال هذا العام (1438هـ) أحد أبنائها البررة، شيخ نظار أوقاف السادة العلويين بمكة المكرمة، المستشار القانوني الأسبق لجامعة أم القرى السيد عبدالله عقيل عبدالرحمن عطاس، وأسدل الستار على حياة دامت قرابة 83 عاما، فقد كان رحمه الله تعالى مستشارا قانونيا لجامعة أم القرى لـ34 عاما تقريبا، وكان ناظرا لأوقاف السادة العلويين لأكثر من 42 سنة.

وللتاريخ وللأمانة ولما له علي شخصيا من فضل سطرت هذه السطور، وهي علي واجبة وهذا أقل القليل في حقه. ولمن لا يعرفه أورد ومضات مختصرة من سيرة حياته بحكم علاقتي الخاصة به منذ أن كنت طالبا بجامعة أم القرى، فعند تخرجي في المرحلة الثانوية وحصولي على الترتيب الأول على مستوى مكة المكرمة احترت في حينها، شأني في ذلك شأن كثير من الطلاب في مثل هذا السن، فتأخرت عن تقدمي للجامعة لرغبة ظهرت لي في المواصلة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ولأسباب مختلفة فاتني التسجيل ودخل الفصل الثاني من العام الجامعي ولم أسجل بالجامعة، فتقدمت لجامعة أم القرى بمكة لكن مسؤول القبول أخبرني أن التسجيل انتهى وعلي الانتظار حتى العام الجديد، ثم بالصدفة المحضة علم السيد عبدالله عطاس بذلك ولامني أشد اللوم لماذا لم أبلغه؟ ثم توجه بنفسه شخصيا لمعالي مدير الجامعة طالبا إلحاقي، إلا أن مدير الجامعة تردد بسبب انتهاء موعد التسجيل، وقال: إذا كنت ترى في هذا الطالب شيئا مختلفا فسنعقد له لجنة تمحص ذلك، فتم عقد لجنة برئاسة الدكتور الشريف منصور عون العبدلي رئيس قسم الشريعة في حينه، وعضوية الدكتور عويد المطرفي رحمهم الله جميعا، وتم اختباري وحصلت على نسبة 95%، مما حدا بالدكتور عويد رحمه الله تعالى وجزاه الله عني كل خير إلى أن يتبنى بنفسه شخصيا مخاطبة ومتابعة معالي مدير الجامعة، وقال له: إذا لم يقبل أمثال هذا الطالب فمن يقبل!؟ وتم والحمدلله تسجيلي في حينه بكلية الشريعة في الفصل الثاني من عام 1404هـ.

ولولا السيد عبدالله لما علمت كيف سيكون توجهي آنذاك، وهذه الشفاعة لم تكن وحيدة بل له شفاعات جمة يعرفها كثير من أبناء وعوائل مكة المكرمة.

أما على جانب نظارته لأوقاف السادة العلويين فقد تحملها بترشيح من أعيان السادة ومنهم سماحة السيد محضار عقيل عضو هيئة كبار العلماء الأسبق في حينه وسماحة السيد علي بن عيدروس البار وغيرهم رحمهم الله تعالى، وقد استلم الوقف ومعه غيره من النظار لكن لكونه مستشارا قانونيا كانت له اليد الطولى في تنظيم الوقف وتحسينه حتى وصل لما وصل إليه، وقد كان رحمه الله تعالى ممن يعمل في صمت مراقبا لله عز وجل في تحمل ما أوكل إليه من أمانة في عنقه، وحيث كنت قريبا منه مطلعا على كثير من شؤون الوقف، ولا سيما في آخر حياته، وشاهدت بعض الاختلاف بينه وبعض المستحقين بل وبعض معاونيه من النظار فكان يحرص رحمه الله تعالى على أن تبقى اختلافاتهم في هذا الدائرة، أي محصورة بينهم، وكان دائما يقول: اختلاف لا خلاف، وكان بعضهم سامحه الله يغلظ القول في التعامل معه لكنه كان صبورا عليهم، فكان كثيرا ما يناقشني، ويقول إنني متألم فقط من أخلاق بعض أبنائنا وإخواننا هداهم الله التي لا تليق بهم، ولست متألما من غير ذلك، وكان يقول: سيأتي اليوم الذي تحسن فيه أخلاقهم لأن معدنهم أصيل ولا بد للفرع أن يستمد من أصله، وقد ضرب لي مثلا ببعضهم وقد جبر الله حاله وحسن خلقه، وقال: إن شاء الله الجميع تغلب عليهم الطباع والأخلاق الحسنة ولو بعد حين.

وقد أعلمني بما أنجزه للوقف بدون أن يعلم أحد بما في ذلك صرفه من جيبه الخاص لمصلحة الوقف، فقلت: دعني أعلمهم، فقال: لا لأني فعلت ذلك لله أولا ثم حرصا لحسن تحمل الأمانة وطلبا لبراءة الذمة وخدمة لهم، فأرجوك أن لا تخبر أحدا بذلك، وإنما أعلمتك لأنك وكيلنا الشرعي ولتكون على بينة من الأمر.

كان رحمه الله تعالى يذكر كثيرا بعض أنداده وأصدقائه، ومنهم شقيقه الراحل السيد أمين عطاس الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي رحمه الله تعالى، وأبناء عمومته ويخص السيد غازي العطاس الذي دائما ما يقول عنه: هذا الصابر الصبور، وسعادة السفير عبدالله عالم أطال الله في عمره، ومعالي الدكتور صالح بن ناصر الوكيل الأسبق لرعاية الشباب، ومعالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله تعالى، ومعالي الفريق صالح خصيفان وغيرهم، فقد كانت له شفاعات عند كثير من المسؤولين لكثير من المحتاجين على مختلف أمورهم، ولو كان هناك متسع لذكرت كثيرا من الأحداث التي سردها معهم ومع غيرهم.

وفي آخر حياته أبلغني شخصيا بكلام مباشر لا لبس فيه ولا تأويل، بأنه يشعر بدنو الأجل عن قريب، وطلب مني تقرير اعتزاله عن نظارة أوقاف السادة العلويين، وترشيح معالي الدكتور أسامة البار بدلا منه ليرأس بقية النظار، وقد كان له ذلك، وكثيرا ما كان يدعو لهم بالتوفيق والسداد لخدمة ما كلفوا به من أمانة بكل حرص واقتدار.

وأخيرا وليس آخرا، فقد أعقب السيد رحمه الله أبناء وهم السادة عاصم وعادل ومحمد وثلاث بنات؛ الأولى حرم السيد سهل عقيل المستشار السابق بإمارة مكة المكرمة، والثانية حرم المحامي باسم عبدالله عالم، والثالثة حرم رجل الأعمال عبدالرحمن عبدالله عالم، والعزاء موصول لهم جميعا ولكل أقاربه وأرحامه ومحبيه. رحم الله السيد عبدالله عقيل عبدالرحمن عطاس وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله كل خير عن كل دمعة جبرها وعن كل أرملة سترها وعن كل محتاج سد حاجته وعن كل ملهوف أغاثه وأعانه، ونسأل الله الكريم له الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وصلى الله على أفضل خلقه أجمعين وآله وصحبه الطيبين المباركين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.