حنان المرحبي

تعدد سبل النجاح والحاجة للتمركز

الجمعة - 14 يوليو 2017

Fri - 14 Jul 2017

ربما أصبحنا في مواجهة أعلى مع معضلة تعدد سبل النجاح التي أحدثتها التقنيات، وما نتج عنها من تنوع في الفرص وحاجة للسرعة في اتخاذ القرارات بشأنها، وهي أمور أضافت إلينا مزيدا من التشويش حول الرؤية طويلة المدى، أو المسار الكبير الذي ينبغي أن نسخر فيه معظم قوانا وإمكاناتنا لنقطعه بنجاح.

وهذه التقنيات إن تسببت في تعدد المسارات من ناحية، فقد تسببت في تقصيرها من ناحية أخرى، وذلك بتوفير مصادر المعرفة وتخفيض التكاليف.

ما عادت اللعبة معقدة على الشخص المطلع والمتمرس إلا في مسألة السرعة في تقييم الأولويات والأهداف لتحديثها وفقا لآخر المستجدات، فاليوم أصبحنا ننظر للأهداف طويلة المدى (أو الثابتة) على أنها من عوامل التأخير والتضييق بعد أن كانت من أهم خطوات القياس والتركيز.

وقد يكون من المفيد النظر إلى المسألة من عدسات العمالقة، وطرح تساؤلات كالتالية: هل تستطيع شركات دولية متفوقة كقوقل أو بوينج أن تقول إنها قد قطعت مسارها الكبير ووصلت إلى التمركز أو السيادة التامة بالصناعة، وإنها لم تعد بحاجة لتحلم مجددا أو تبحث عن مسارات مستقبلية أقوى من موقعها الحالي؟

بعبارة أخرى: هل حان الوقت لتغلق عينيها عن الفرص التي تنبثق أمامها كل يوم؟

يمكن الإجابة بنعم إذا توقفت تماما عن تطوير المنتجات أو عمليات الاستحواذ والاندماج التي تدخلها بشكل مستمر لأنه عندئذ يمكننا القول إنها وصلت إلى موقع لا ينازعها عليه أحد ولم تعد بحاجة إلى النمو.

ما زلت أتذكر عبارة لأحد الأكاديميين تقول إنه حينما تؤسس الشركات، فإننا نفترض أنها ستعيش أبدا (مبدأ البقاء). التوقف عن البحث عن الفرص والنمو قد يؤدي إلى تراجع الشركة وقد يتسبب في انقضائها لعوامل اقتصادية عدة.

بالعودة إلى مثال قوقل، فهي إن حققت الهيمنة فذلك على نطاق صناعة تقنيات المعلومات. ماذا عن المسارات المتعددة التي يمكن لقوقل دخولها بالصناعات الأخرى كالسيارات والصناعات الطبية مثلا مستخدمة تفوقها في تقنيات المعلومات؟ وكيف تتعاطى مع تحديات الاقتصاد كمخاطر تحول الصناعة، أو التضخم الذي يهدد قيم الممتلكات والاستثمارات باستمرار؟ وهل ظهرت فرص على نطاقات خارج الصناعة والاقتصاد، كالقوى الأمنية والسياسية؟ الفرص والتحديات تخلق لهؤلاء العمالقة مسارات متعددة ومشتتة أيضا لأهدافها الكبرى من الوجود، ومع ذلك تظل بحاجة لتعزيز تمركزها باغتنام كل فرصة تعزز فرص بقاء صناعتها وليس فقط بقاء علامتها.

وبالنسبة لنا كأفراد، كيف يمكننا مواجهة معضلة تعدد مسارات النجاح وكيف نحدد لأنفسنا مسارا كبيرا واضحا يأخذنا نحو تمركز أعلى، وفي نفس الوقت يمنحنا مرونة في التحرك واستغلال الفرص المتجددة للنمو باستمرار؟

ربما الخطوة الأهم لرسم المسار الكبير هو التحديد الدقيق لنقاط القوة والمزايا التي نملكها، وجعلها نقطة الانطلاقة، وهي كلما كانت نادرة ومطلوبة منحتنا تمركزا أقوى. الخطوة الأخرى تكمن في الاختلاف ولا يتحقق ذلك إلا بامتلاك معرفة ورؤية واضحة لما يجري بالمحيط الخارجي تساعدنا على السير وفقا لاستراتيجية يصعب تقليدها. إحدى الخطوات المهمة أيضا وجود قيم ومبادئ تؤكد على الامتياز وأيضا تحفظ الهوية، والغرض من وجود الكيان على المدى البعيد، فإن كان الغرض هو صناعة الثروة فذلك قد يتوفر من خلال دخول مجالات لا نهائية، قد تتسبب في النهاية إلى فقدان الهوية وخبرات عظيمة استغرق بناؤها سنوات.

hanan_almarhabi@