لزام صقر

الجمعة - 14 يوليو 2017

Fri - 14 Jul 2017

السنوات التي أعقبت اكتشاف النفط، والتي تم خلالها إنشاء خط الأنابيب (التابلاين) الذي يعبر شمال المملكة ناقلا النفط من الظهران إلى صيدا في لبنان شهدت تحولا جذريا في ثقافة واقتصاد أبناء تلك المنطقة، تم توطين القبائل في مدن وهجر أنشئت على طول خط التابلاين، افتتحت المدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية.



كان والد لزام (رحمه الله) جزءا من ثقافة أبناء الصحراء وتراثها، حفظ تضاريسها ومعالمها كحفظه لأسماء الرجال وقصائد الشعر، عشق الترحال، لم يكترث لحدود (سايكس بيكو) ولم يسمع باتفاقيات المحمرة والعقير، ظل وفيا لذاكرته عاشقا لإبله ولبيوت الشعر، امتهن الترحال على خطى (حمر النعم).

في فترة لاحقة وعندما تتابعت زيارات لجان الداخلية لمنح المواطنين الهوية كان والد لزام غائبا، وحين تسابق الصغار للانضمام للمدارس وفي ظل غياب الوالد المتكرر ولأن (الخال والد) ولكيلا يتخلف عن أقرانه الصغار قام بمنحه اسمه ليلتحق بالمدرسة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية، ثم التحق بسلاح الحدود وتزوج وأصبح أبا، إلى أن حصل على التقاعد بعد 20 عاما من الخدمة في شمال وجنوب الوطن نال خلالها الكثير من الثناء والتقدير.



قبل عشرة أعوام، وفي لحظة مباغتة تم استجوابه، لم ينف حقيقة الأمر وبين للمسؤولين عدم مسؤوليته لكونه كان طفلا، ونزعت هويته، على أن تتم دراسة وضعه وتصحيحه. كان الأب والخال قد رحلا عن هذا العالم. حظي لزام حينها بالكثير من التعاطف حتى من قبل المسؤولين أنفسهم لدماثة خلقه ولخلوه من المسؤولية المباشرة، لم يأل أحد منا جهدا بشرح قضيته ومتابعة معاملته حتى أصبح هاجس ذويه وأبناء عمومته، شعر الجميع بمسؤولية كبيرة وأدركوا صعوبة وتعقيد تلك المرحلة التي شهدت تغيرا كبيرا في النمط المعيشي والاجتماعي وأدركوا أيضا أن (لزام) أبرز ضحاياها.



في زمن الحكومة الالكترونية، وفي غياب الهوية توقف كل شيء بالنسبة للزام؛ الوظيفة والمستشفى والسفر، لم يقتصر الأمر عليه بل على عائلته الكبيرة أبناء وبنات، لم يعد بينهم من يستطيع إكمال الدراسة الجامعية ولا حتى الوظيفة، لم يجدوا من يعقد قران ابن أو ابنة له لأحد الأقارب. أصبحوا باختصار ممنوعين من الحياة وحتى من الموت.



وإذا كان الهاجس الأمني في المرحلة الماضية قد عطل الحسم في العديد من القضايا المشابهة للقبائل النازحة (البدون)، فإن الأحداث الجسام التي شهدتها الدول المجاورة في الأعوام الخمسة الماضية قد أحدثت تغيرا مفصليا وجذريا، فلم يعد الفكر القومي واليساري في الدول المجاورة هاجسا أمنيا لبلادنا كما كان في السابق، خاصة بعد سقوط أنظمتها، بل إن الهاجس الأمني أصبح متمحورا حول قوى التطرف الديني من تنظيم القاعدة إلى داعش والذي استقطب للأسف الشديد العديد من أبناء هذا الوطن من مناطق عدة ومن الطبقات كافة.



لم يكن (لزام) سوى نموذج لكثير من الحالات المشابهة والتي اكتظت بها أدراج اللجنة المركزية، والتي تم حلها على أمل إجراء دراسة شاملة لأحوالهم، ولو أن القائمين على هذا الأمر وضعوا في تلك اللجان أعضاء لدراسة الوضع الإنساني دون إغفال الجانب الأمني بالطبع لخرجنا بتصور أكثر واقعية لأحوالهم ولظروفهم، وكان بالإمكان تبسيط العديد من تعقيدات الملاحظات والتوصيات السابقة.



الآن وبعد عشرة أعوام من الترقب الذي أصبح مقلقا، ليس للزام فحسب، بل لنا أيضا نحن أهله وذووه، وفي زمن بدا متسارعا ومتغيرا، فإننا أصبحنا نعقد الكثير من الآمال بأن يحظى هذا الأمر باهتمام سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (الذي أبهجنا بالتوجيه بإنهاء قضية الشاعر خلف مشعان) وذلك بدراسة شاملة تنهي أوضاعهم، وإذا كان من الضرورة بمكان أن تشمل الدراسة الجوانب الأمنية، فإننا نأمل أن يؤخذ الجانب الإنساني بعين الاعتبار، وإذا كنا نحن أبناء هذا الوطن المعطاء في المناطق الحدودية على علاقة رحم ودم وجوار مع الكثير منهم، فإننا سننتظر وبفارغ الصبر قرارا حازما في عهد الحزم، ينهي آلام ومعاناة لزام صقر ورفاقه.



« لقد ولدت في صحراء الشير منذ ألف عام، لا أعرف أرضا غيرها، ولا قوما غير قوم ترعرعت بينهم، أحمل صفاتهم وأملك جيناتهم، نشأت في كنف خال عظيم منحني الأمل والحياة وقضى على شقاء طفولتي، أنتمي لوطن حرست حدوده 20 عاما بفخر وشرف، وهاأنذا الآن أعيش بينكم بلا هوية، أنهكني الصبر والرجاء، أقبض على روحي كي لا تغادرني، أكلم نفسي بصوت عال كي لا أفقد ما تبقى لدي من عقل».



لزام صقر التومي الشمري (محافظة رفحاء - أقصى شمال الوطن)



temyatt@