انبعاثات الغاز القطري المسال

الأربعاء - 12 يوليو 2017

Wed - 12 Jul 2017

يعتبر موقف قطر من جيرانها منذ عشرين عاما موقفا توسعيا ينافي أواصر القربى التي تربط شعبها بالشعوب الخليجية، وخاصة المملكة والإمارات والبحرين، إلا أن سبب عداء السلطة القطرية للدول الشقيقة لها هو الطموح التوسعي الجارف الذي تولد نتيجة شعور عميق بأن قطر أصغر من نظامها السياسي، وهو الدافع الحقيقي وراء الانقلاب على الأمير الراحل خليفة بن حمد في عام 1996، الذي كان المقدمة الضرورية لتنفيذ الأهداف التوسعية بواسطة جناحين هما التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين»، وشبكة الجزيرة الإعلامية التي من خلالها تمرر قطر أجندتها لزعزعة الدول والمجتمعات الخليجية والعربية عبر دعوى الديمقراطية أحيانا، والإسلام أحيانا، والعروبة أحيانا، مع التشكيك بالأنظمة القائمة وعلاقاتها الدولية وانتماءاتها المحلية، وكذلك التركيز على الملاحظات والأخطاء وتضخيمها لخلق رأي عام محلي مضاد يفضي إلى التناحر والأحقاد الطويلة.



لجأ النظام القطري بقيادة الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم (نظام الحمدين) إلى استقطاب «الأصوات» الإعلامية والثقافية وغيرها من الأصوات النخبوية بالمال المباشر وغير المباشر والإمكانات وبناء العلاقات، وخاصة تلك الأصوات المغردة خارج سرب الاستقرار والأمان الوطني، أي أولئك الذين لا ينتمون لأوطانهم بقدر انتمائهم للتوجه القطري، وهذا ما يفسر حالات الصمت - أو الكلام الذي لا طعم له - من قبل بعض الذين أغمضوا عيونهم عن الأزمة الخليجية متحدثين عن أشياء أخرى كثيرة.



وأسلوب شراء الولاءات المباشر وغير المباشر أسلوب قديم لجأ إليه منذ عقود رؤساء عرب أمثال «صدام» و»القذافي» وغيرهما لإضفاء الشرعية على برامجهم وأجنداتهم، ولكن على الباغي تدور الدوائر في النهاية، فقد دمر هؤلاء أوطانهم، بينما بقي الشامخون أعزاء في أوطانهم.



وفي التسجيلات التي سربها نظام القذافي انفضحت المؤامرة القطرية لإسقاط الدول العربية، حيث أكد حمد بن جاسم بكل وضوح لجوء نظامه إلى استمالة أصوات بعض النخب في المجتمع من خلال تكوين العلاقات وتسهيل المعاملات وتقديم الخدمات، وبالتالي يكون هذا الصوت أو ذاك غير مستقل وغير قادر على النطق بالحقيقة التي تخالف النظام القطري الذي حرص على استقطاب مختلف التوجهات، إذ لا يهم التوجه بعينه بقدر أهمية التبعية غير المباشرة، ولذلك تقام البرامج والفعاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية لخدمة توجهات النظام وتحالفاته وأجندته، وهذا ما أخرس الألسنة غير المستقلة التي انخرطت في عملية الاستقطاب، وإن أصبحت غطاء للحراك الذي تحاول قطر من خلاله تهيئة الأرض الخصبة للانهيار في دول محددة من دول مجلس التعاون، ويأتي ذلك بالتزامن مع دعم الجماعات الإرهابية والحركات السياسية الخاضعة لنفوذها للوصول بها إلى سدة الحكم، حتى أصبحت قطر بالنسبة للمنتمين إلى هذه الجماعات أهم من أوطانهم بكثير.



وغالبا ما يتدخل المال القطري في العلاقات العربية العربية لأجل تبني مواقف (من دون موقف) تهدف إلى وضع (العصا في البكرة) حين تتبنى أطراف محددة مواقف مؤيدة أو مخالفة للتوجه الخليجي بقيادة المملكة خاصة، في محاولة قطرية لتوظيف كل الطاقات والإمكانات عن طريق التحكم عن بعد، لضمان كل الأوراق لصالحها حتى لو كانت بمثابة إعلان حرب، وهي الفرصة التي أرادت قطر الإعداد لها لتتمدد على حساب جيرانها، وكان (الريال غاز) القطري المتدفق في كل الاتجاهات السر وراء ثبات المواقف أو تبدلها، وكان لـ (نظام الحمدين) الدور في وضع المتناقضات في سلة واحدة، دون أن يرى كثيرون ممن أعمت عيونهم انبعاثات الغاز المسال هذه المتناقضات، فكان توظيف المال في استقطاب كل التوجهات والأفكار التي تختلف بل تتصارع ربما، ولكنها تتجه نحو قبلة واحدة هي الدوحة.



إلا أن استمرار قطر في ذلك غير منطقي، وكان لا بد من إيقاف مقامراتها ومغامراتها، رغم أن الموقف القطري لن يتغير بسهولة تجاه أشقاء الخليج إلا بإجراء تغييرات جذرية في بنية النظام وتوجهه.



@Suodalblwi1