ألا ليت المشيب يدوم

الاثنين - 10 يوليو 2017

Mon - 10 Jul 2017

يطمح كثير من الشباب إلى أن تعطى لهم الفرصة والمجال لصناعة القرار وتولي زمام الأمور لما لديهم من طاقات كبيرة ودراية حديثة في مجالات شتى. فهذا عصر متسارع وكثير المتغيرات يتطلب شبابا يفهمون هذا التسارع، وقادرين على التأقلم معه، ويتميزون بالنشاط والهمة العالية، وهذا ما يفقده كثير من أصحاب القرار والتنفيذيين من الكبار. كان هذا إيماني إلى أن راجعت نفسي وسألتها: هل فعلا نستطيع قيادة مستقبلنا بدلا ممن يتولون أمورنا من الكبار؟ إذا كان الجواب لا، فماذا ينقصنا ويميزهم؟



إن من نعم الله علي أني وهبت أبا اختلف في طريقة تربيته لأبنائه فلم يكن الأب المتسلط، بل على العكس تماما فقد كان يجالسنا أنا وإخوتي كأصدقاء، ويسمع لنا ويسمح لنا بالأخذ والرد على آرائه. ولم يكتف -رحمه الله- بالجلوس معنا لوحده من جيله، بل كان يحرص على مرافقتنا له في مجالسه وندواته وحواراته.

ومما كان يصر عليه هو حضورنا للمجلس الأسبوعي في منزلنا «جلسة السبتية» والذي يحضره علماء وأدباء وأساتذة الجامعات وتربويون ومثقفون من جميع أنحاء العالم العربي. بدأت السبتية قبل أكثر من اثنين وعشرين عاما، ورغم أن المواضيع لم تكن ثابتة، فمنها التربوي والأدبي والسياسي وغيرها من أحداث الساعة، إلا أن الثوابت في تلك الجلسات كانت العمق في التحاليل، والرقي في أسلوب الحوار، وتقبل الآراء ووجهات النظر المختلفة بهدوء. ولأني بدأت حضور هذه الجلسات وأنا في مرحلة الصبا، كانت بالنسبة لي صعبة الفهم ومملة فكنت أحضرها مكرها وملبيا رغبة والدي، ولكن ما إن كبرت حتى عرفت قيمتها فأدركت أنها منهج تعليمي لم أحصل عليه في الجامعة فلزمتها راغبا لها مشتاقا لروادها مستمتعا بمواضيعها.



ذكرت هذه النبذة عن جلسة السبتية لأنها سبب في إدراكي لجواب سؤالي في مقدمة هذه المقالة. فمن بعد مجالسة الكبار في السبتية وغيرها، أيقنت أنهم يملكون خبرات طويلة وحكمة عميقة ولديهم القدرة على تغليب العقل على العاطفة فتراهم يتروون في إصدار آرائهم، ويتحكمون في ردود أفعالهم، وهذا ما لا يمكنني تعلمه إلا بخوض ما خاضوه من التجارب. لذلك أستطيع أن أقول إنه مهما كانت طموحات الشباب عالية وهمتهم قوية إلا أن للكبار دورا لا يمكننا الاستغناء عنه. فالخبرة والحكمة والاتزان أمور ضرورية لقيادة ورسم مستقبلنا، ويندر أن نجدها في الشباب المندفع.



ومن هذا، أيقنت يقينا لا شك فيه أن التعاون والمشاركة بين الأجيال سيؤتي ثمارا أكثر ونتائج ملموسة أعلى وأخطاء أقل. وتأكيدا لهذه النتيجة الشخصية، لو قرأنا تاريخ أي أمة متقدمة وعظيمة نرى أن توزيع الأدوار بين الأجيال من أهم ركائز ذلك التقدم. فحفظ الله شيوخنا، وبارك لنا في شبابنا، وسدد الله خطى من تولى أمرنا.



قفلة:

يقول العليم القدير في كتابه: «والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا»، وهذا يؤكد أن العلم يتزايد مع تقدم العمر حتى يصل الإنسان إلى مرحلة الهرم حيث لا يعلم بعد علم شيئا. فهل يعقل أن نبكر مرحلة الهرم ونستغني عمن زاد علمه مع عمره؟!



@RMRasheed