فتنة التصوير

الاحد - 09 يوليو 2017

Sun - 09 Jul 2017

من الملاحظ وبقوة أن هذه الجوالات ذوات الكاميرات قد أصبحت تشكل خطرا وفتنة للإنسان، فكم قد رأينا من التصوير لبعض الأحداث مما يثير الاشمئزاز، فكم هدمت بيوت كانت آمنة مطمئنة وهانئة، وهذا الأمر يدعو المرء إلى التوقف ووضع علامات استفهام كبيرة بحجم مأساتنا، ويتساءل ما الذي يدعو الإنسان إلى التوقف عند حوادث الطرقات، لا للتأمل وأخذ العبرة من السرعة في القيادة وما ينتج عنها من فظائع ومآس، بل يخرج جواله للتصوير، وقد تستغرب حين ترى لقطات لبعض الحوادث، فتتساءل متى استطاع هذا المصور تصوير الحادث بهذه السرعة، وتكاد تجزم أن جواله ربما يكون في وضعية التصوير طوال الوقت لينال السبق في إرسال الأخبار والمقاطع.

وأصبح الناس يتسابقون في إحراز الإعجاب دون التفكر في عواقب الأمور، وكم رأينا من الحوادث الارتدادية جراء هذا العمل المتهور مما يدمي القلب ويحزن النفس، بل الذي يحزن أكثر أن البعض أصبحوا حتى في عباداتهم يهتمون بالتصوير أكثر من اهتمامهم بقبول العمل أو رده من قبل الله تعالى، فتجد حتى في يوم الجمعة في الحرم المكي الشريف والأمام يخطب بعض الناس لاهين بتصوير أنفسهم أمام الكعبة، والحديث الشريف يقول (من مس الحصى فقد لغى)، لما في الجمعة من قدسية ووجوب الإنصات للإمام حين الخطبة بل الأمر يتعدى إلى أكثر من ذلك، ولنقرأ هذا الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت). رواه البخاري ومسلم، فما بالك بالحركة والكلام والانشغال بالتصوير؟!

ألا يدعو هذا إلى القلق بشأن مصير عباداتنا، وما الداعي إلى تصوير المعتمر نفسه وهو في لباس الإحرام؟ ألا يخشى من يعمل ذلك أن يدخل هذا العمل في باب الرياء أم إننا أصبحنا لا نبالي والشيطان يسير مع ابن آدم بل يجري منه مجرى الدم ليضله ويدخل في نفسه العجب حين العبادة. ناهيك عن الصدقات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط ليقال إن هذا فعل، وأصبح الأمر يدعو لبذل الجهود لإنهاء هذه المسألة، فقد يصبح هم الإنسان فقط ما يقول الناس عن عمله الذي قام به، فثناء الناس يزول وينقلب إلى الضد، بمجرد أن يخطئ المرء خطأ واحدا تجدهم ينسون كل حسناته نظير هذه السيئة الواحدة، إذن ألا يجدر بالإنسان أن يرجح ما عند الله من ثواب على ما عند الناس من ثناء وإطراء؟

هذه الأمثلة التي سقناها هي غيض من فيض مما نرى ونسمع من هذه الأمور التي أصبحت تدعو إلى القلق، عدا الفضائح التي يسببها هذا التصوير لبعض مما يجب على المسلم أن يستره على أخيه المسلم لكي يستر الله عليه عيوبه فكلنا أصحاب عيوب.

وأسأل من صور نفسه أثناء عبادته، وبث الصور في قنوات التواصل بشتى أنواعها: لمن أديت هذه العبادة؟ أليس لله؟ طمعا فيما عند الله من الثواب والجزاء؟ أم فعلته ليقال إنك فعلت، ويثني عليك الناس بأنك امرؤ عابد؟ إذا كنت فعلته لله فما كان ينبغي لك فعل هذا، وكان من الأجدر أن تدخل بكل شعورك ومشاعرك وكل أحاسيسك في عبادتك لربك حتى تكاد لا ترى خلقا يراك وأنت قد وجهت وجهك للذي فطر السموات والأرض، أما إن كانت الأخرى فأسأل الله أن يعيذك من أن تكون من هذا الصنف، فاعلم أنك قد أتعبت نفسك وحرصت على ثناء من لا يملك لك ولا لنفسه ضرا أو نفعا.

وأسوق كلامي هذا ليس للانتقاد فحسب، بل حرصا على النصيحة، فقد أمرنا ديننا الحنيف أن نتواصى بالحق والصبر. وأخيرا، ألا يهولنا هذا المنقلب في هذه الآية (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، فليراجع كل منا نفسه وفعله، فكل منا سيحاسب وحده، ويجازى وحده، ويدخل قبره وحده.

نفعني الله وإياكم بما نقول ونسمع ونقرأ، وأساله أن يردنا إليه ردا جميلا ويبعد عنا الرياء والسمعة وأن يجعل كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.