تقنين التواصل الاجتماعي الالكتروني

الاحد - 09 يوليو 2017

Sun - 09 Jul 2017

يتواصل كل العالم الآن عبر وسائل ومنافذ وأندية التقنية الالكترونية التي ظهرت وملأت الدنيا، نتيجة للثورة التقنية التي غطت كل الأثير وأبعد الآفاق. والجميع في كل الأركان والفضاءات، يستخدم الفيس بوك وتويتر والإيميل وانستقرام وهكذا دواليك.. وقطعا ستتسع الدائرة نظرا لوجود السوق ورغبة المستهلكين الجارفة والمتعطشة لهذه التعاملات الحديثة «المودرن» ورفقة الأندية الاجتماعية.

وعبر هذا التواصل المتواصل، تم نقل المعرفة في كل المجالات العلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والثقافية وغيرها. وكذلك انتشرت العلوم في كل التخصصات، وزادت وتوثقت العلاقات الاجتماعية داخل الدولة وخارجها فيما بين الدول. وهناك أصدقاء أحباب وأوفياء ولكنهم لم يجتمعوا في مكان واحد على الإطلاق ولكن علاقتهم عبر هذه الوسائل التقنية التي تعبر كل الحدود والقارات. والجميع مبسوط وفي نشوة عارمة.

ولكن، هناك ثمن لهذا التواصل المنفتح، وهذا الثمن قد يكون مكلفا وغاليا لأنه ينتهك الخصوصيات ويزيح كل الفواصل والحواجز. وانتهاك الخصوصية الشخصية مع غيرها يعد من أكبر «معيبات» و»نكسات» هذه الطفرة وهذا التواصل الاجتماعي الالكتروني الذي قد يأتي بدون استئذان وفي خلسة وفي صمت تام. وهذا التواصل، حقيقة، فرحنا له كثيرا وركضنا خلفه في أكبر «ماراثون» يغطي كل مناحي العالم، وكل من يعيش في هذا العالم من شيب وشباب وفتيان وكهول يركض. والجميع يركض خلف الجميع.

بغض النظر عن انتهاك الخصوصية الخاصة وبطرق قد تكون مدمرة وتأكل الأخضر واليابس، هناك سلبيات و»معيبات» أخرى تتمثل في استخدام منافذ ووسائل وأندية التواصل الاجتماعي الالكتروني للتعبير عن احتقار الآخرين وعدم احترامهم والإساءة لهم، بسبب معتقداتهم الدينية وألوانهم وجنسياتهم وغير هذا من الأمور الشخصية البحتة التي يقول البعض، أمور «لا ناقة لنا فيها ولا جمل». وهذا صحيح وأمر واقع لأن الشخص لا يختار أشياء كثيرة تخصه لأنها تكون خارجة عن إرادته. مثل هذه التصرفات والأقوال التي تحتقر الآخرين، في الفضاء الأثيري، لا يقبلها العقل ولا يقبلها الواقع، وهذا الرفض ينطبق على الجميع بدون فرز لأن التعامل يجب أن يتم مع الإنسان «كإنسان» مثل غيره.

هذا الوضع الشاذ، من بعض الفئات، أصبح مصدر قلق لعدد من الدول والحكومات، والجميع يرى ضرورة التدخل الحاسم لردع من يتطاول بالإساءة عبر منافذ التواصل الاجتماعي وأنديته. وقبل أيام معدودة، شمرت ألمانيا عن سواعدها وأصدرت قانونا يلزم كل شركات التواصل الاجتماعي بضرورة الإزالة الفورية لأي نشر عبر منافذها فيه عدم احترام أو إساءة لأي شخص بسبب معتقداته الدينية أو لونه أو جنسه أو عرقه. وإذا لم تقم الشركة المعنية بالاعتذار وإزالة ما تم نشره خلال ساعات فإن القانون الجديد يفرض عليهم غرامات فورية تتجاوز ملايين اليوروهات. نعم الغرامة تتجاوز خمسة ملايين يورو في كل حالة. وقد تتعدد الحالات في الساعة الواحدة.

هذه ضربة تشريعية قانونية ستزلزل أقدام شركات التواصل الاجتماعي حتى تقفل الباب تماما أمام من تسول له نفسه النشر المسيء للآخرين. وألمانيا بالذات اتخذت هذا الموقف الجريء بسبب ما عانته من تصرفات غير مقبولة بعد قبولها لأعداد كبيرة من اللاجئين من سوريا والعراق وغيرهما. هناك من وقف بصلابة ضد إصدار هذا التشريع الحديث القوي في ألمانيا، وقالوا إن هذا القانون يكتم الأنفاس ويسلب حرية التعبير والرأي. وكذلك كل شركات التواصل التقني اعترضت بشدة، ولكن يا للحسرة، اعتراضها انطلق من مصلحتها الذاتية لأنهم قالوا إن تنفيذ القانون سيكلفهم الكثير لتوظيف المئات من الموظفين للمراجعة اليومية لكل ما ينشر. لكن القانون صدر وأصبح أمرا واقعا وقابلا للتنفيذ، وعلى الشركات الانصياع التام له وإلا فعليها الاستعداد لفتح خزائنها لدفع الغرامات المليونية. فهل ينصاعون ويصطفون مع القانون حتى ينصلح الحال ويستوي المقام ويستمتع الجميع بفائدة التواصل الاجتماعي الالكتروني «المنضبط» بقوة القانون ورغبة المشرع؟

والأخبار السارة أيضا أتت من بريطانيا، حيث قالت رئيسة الوزراء إنها تؤيد بشدة ما قامت به وصيفتها المستشارة الألمانية، وإنها ستسير على نهج ألمانيا نفسه، وأكدت أنها ستعمل على إصدار قانون مماثل في بلدها لردع الشركات ومن فيها، التي لا تهتم بمنع سوء استخدام منافذ التواصل الاجتماعي الالكتروني.

في رأيي، إن ما قامت به ألمانيا من إصدار هذا القانون يعد خطوة مهمة جدا في تصحيح مسار الثورة التقنية. وهذه الثورة بدأت ليجني منها العالم الفوائد لمصلحة الجميع. وإذا رغبنا في هذا فلا بد من معاقبة من يسيء استخدام هذه الثورة ومنتجاتها. وإذا تركنا الحبل على الغارب فإن ضعاف النفوس سيحولون عالمنا إلى عالم غير جدير بالعيش فيه. ونتطلع إلى قيام جميع الدول باتخاذ كل الخطوات الضرورية لإصدار التشريعات والأنظمة الرادعة التي تحمي المجتمع من الفئات الضالة التي لا تحترم الإنسان وإنسانيته. وهكذا يكفل القانون الحياة الراقية الآمنة للجميع.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال