من خطب الجمعة

الجمعة - 07 يوليو 2017

Fri - 07 Jul 2017

أصل الاستقامة

«لئن كان للناس في سعيهم إلى بلوغ ما تصبو إليه نفوسهم مسالك شتى، وسبل يرون أن سلوكها يحقق المراد، ويصيب الهدف، ويوصل إلى الغاية التي يكون ببلوغها طيب الحياة، وسعادة السعي فإن لأهل الإيمان من الريادة في ذلك ما يجعلهم أوفر الناس حظا في التوفيق إلى أسباب الحياة الطيبة، وأعظمهم نصيبا منها وأكملهم دلالة عليها بما آتاهم الله من نفاذ البصيرة وسداد الرأي وحياة القلب، واستقامة على الجادة، تورث صاحبها تلك المنزلة الرفيعة، والموعود الأجل الذي وعد الله به عباده، وحقيقة هذه الاستقامة على قول أهل العلم أنها سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، وأن أصل الاستقامة هي استقامة القلب على التوحيد، فإذا استقام القلب على توحيد الله تعالى وخشيته، وإجلاله ومهابته، ورجائه ودعائه ومحبته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والتسليم له، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، فإن سائر الجوارح-عندئذ- تستقيم على طاعته، بأداء فرائضه، واجتناب نواهيه، والتقرب إليه بالنوافل؛ لأن القلب بمنزلة الملك للجوارح، فإذا استقام استقامت، كما جاء في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير-رضي الله عنهما- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، وإن من أعظم ما تجب العناية بصلاحه واستقامته من الجوارح- بعد القلب هو اللسان، إذ هو المعبر عن القلب الكاشف عن مكنونه، واتخاذ سلوك سبيل الاستقامة خير عدة تعتد، وأقوم نهج يسلك لبلوغ الحياة الطيبة، فطوبى لمن استقام على أمر الله، ثم طوبى له بمرضاة من الله، وسبيل الاستقامة يوجب على السالك إلى ربه: اعتماد أصلين عظيمين يذكرهما السلف كثيرا وهما: الاقتصاد في الأعمال، والاعتصام بالسنة، ذلك أن الشيطان -كما قال ابن القيم رحمه الله- : «يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعية للبدعة، وإعراضا عن كمال الانقياد للسنة أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصا على السنة، وشدة طلب لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاقتصاد فيها».

أسامة خياط - الحرم المكي



تكريم بالطاعة

«إن خير ما اكتسب الإنسان عمل صالح يرضى به عند ربه ويسعد به في دنياه ويفوز به في أحواله وينال به الدرجة العالية في الآخرة وينزل به المنزلة التي كتبها الله له، فإذا يسر الله للعبد العبادة ومن عليه بالإخلاص في العمل ووفقه الله لاتباع الهدى النبوي والتمسك بالسنة فقد أكرمه الله عز وجل أعظم كرامة وأعطاه أفضل المطالب، وعلى العبد أن يشكر تكريم الله له بالطاعة وبدوام الاستقامة، فمن داوم على الاستقامة فاز بالخيرات ونجا من المهلكات، قال تعالى (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)، والحسنات التي يكرم بها من يشاء من عباده لا بد من المحافظة عليها بالابتعاد عما يبطلها من المعاصي والذنوب أو ينقص ثوابها بسبب الآثام والمظالم، وأن أبواب الخير كثيرة وطرق الفضائل والمغفرة واسعة، ورحمة الله محيطة تامة ولن يهلك على الله إلا هالك لا خير فيه، فالعبادات والفضائل في كل شهر، بل في كل يوم، والرب تعالى يشكر على القليل ويثيب الثواب الجزيل، ومن أبواب الخير العظيمة والمنافع العميمة ومن أبواب البر الممتد آثره الواسع خيره، قضاء دين المدينين وأداء الحقوق الواجبة عليهم ابتغاء ما عند الله من الجزاء العظيم لا سيما من هو من المسجونين ممن عجز عن أداء دينه الذين يتطلعون إلى منقذ من أهل الرحمة والإحسان كالغريق الذي يؤخذ بيده إلى بر السلامة، وأهل الإسلام هم أهل الرحمة والإحسان، وإن في أموال الأغنياء من الزكاة والصدقات ما يزيد على حاجات المحتاجين، والكربة هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، والغاية من الإسلام الإحسان إلى النفس والإحسان إلى الخلق، فأما الإحسان إلى النفس فتحقيق التوحيد للرب عز وجل والقيام بأنواع العبادات محبة لله وذلا وخضوعا واستسلاما والبعد عن المحرمات».

علي الحذيفي - الحرم النبوي