أحمد الهلالي

كنت أظنهم منا!

الجمعة - 07 يوليو 2017

Fri - 07 Jul 2017

عثر ليجان السكمري على رسالة جوار المسجد بعد صلاة الظهر، فسأل الناس في صلاة العصر إن كان أحد أضاع شيئا، فلم يتحدث أحد، فاحتفظ بها في منزله، ومر أسبوع لم يسأله عنها أحد، فتح الرسالة فكانت: «من الصابر المشتاق سرور بن إخوان إلى عظمة والي أصفهان، فقد ضاقت بنا الممالك، وانكمشت المسالك، يبات أحدنا يتفقد الكون الفسيح، عل رسالة يخبئها نجم فصيح، فما عادت مكة كما كانت، وقد وقف الذباب على كل تمرة نجنيها، يطن علينا حتى تنخرق الأرض، ويمتزج الطول بالعرض، فكلنا اليوم في السجن ولا سجان، وفي الصمت ولا قطع لسان، ضاق المعاش حتى بتنا نخشى (بق) الفراش، في النوم نرى (الأصابع) تشير إلينا بالتهم، ونهارنا بالنظرات المريبة يزدحم، مراجل القوم تغلي، وأحاديثهم تبلي، يعددون الصامتين، ويؤلبون على المعتزلين، فعجل علينا يا مولاي، فأنت بالخلافة الحقيق، وبالسلطنة الأنيق، أرسلوا العج قبل الحج، فلم نعد نأمن، فما صورناه فتنة، شرعت تمزقه الفطنة، واقترب ما نخشاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله».



يقول ليجان: كاد صدري ينفجر، سرور بن إخوان؟ تذكرت نظراته الزائغات، ورفرفة وجهه حين أنظر إليه وأنا أسائل المصلين من أضاع شيئا، فقيه مكة وإمام مسجدنا يبتغي لمكة الخراب؟ ويدعو والي أصفهان لاحتلالها؟ خرجت كالمجنون إلى السوق، وحين سألت عن الفقيه قال البقال: «رحل إلى اليمن»، فهرعت إلى منزل الحاجب ابن يقظان، فسلمته الرسالة، فوضع يده على رأسه، والتفت إلى صاحب الشرطة، قال: ائتوني به حالا، قلت لقد فر إلى اليمن.



أخذني الحاجب وصاحب الشرطة إلى الوالي، وحين قرأ الرسالة ضحكوا طويلا، وأنا كالتائه في صحراء الدهناء، لا أدري ما الأمر، فأخذني صاحب الشرطة، فإذا بالفقيه مكبل في حجرة ضيقة، لم أتمالك نفسي، بكيت بحرقة وانفجر صدري بـ (لماذات) شتى، وهو مطرق لا يرفع حسا، جذبني صاحب الشرطة، وأشار إلى جهة أخرى، فرأيت كثيرين ممن كانوا يتحلقون في حلقة الفقيه، فقلت أخرجني من هنا، أخرجني لقد اختنقت بروائح المكر والفجور، وهرعت لا ألوي على شيء إلى داري، لا أدري أي شعور يتحكم بي، فنصفي سعيد بيقظة الوالي، ونصفي مكتئب وظني يخيب في رجال كنت أظنهم منا.



ahmad_helali@