مرزوق تنباك

وجوه ومواقف

الثلاثاء - 04 يوليو 2017

Tue - 04 Jul 2017

يلقى الإنسان في الحياة وجوها كثيرة ومشارب وأفكارا شتى وآراء تملأ الفضاء الذي يعيش فيه، يوافق بعضها ويختلف مع البعض الآخر، تتعدد الأغراض وتختلف المطالب باختلاف المدارك بين الناس، ولو شئت لقلت إن لكل إنسان مجاله الذي يعمل فيه ويختلف عن بقية من يعيشون معه حتى في المنزل الواحد والأسرة الواحدة، تجد التباين بالأخلاق والطباع والمطالب والتصرف، وكذلك في العمل يختار كل إنسان النشاط الذي يعجبه والمجال الذي يرتاح إليه، ولا تثريب أيضا على من يختار ما يميل إليه وما ينفعه وما يخطط له.



وبفضل ثورة الاتصالات الهائلة زادت معرفة ما لدى الناس من توجهات وانكشفت النشاطات البشرية وبرزت على السطح فتمكن كل إنسان من أن يعبر عن نفسه وعن معتقداته ومكنون ذاته كيفما يريد، فتضاعفت وجوه الاختلاف وزاد الاطلاع على كثير من المقالات والتوجهات التي يعج بها الفضاء الواسع. ومع السيل الهائل من عرض الأفكار أصبح الناس يستطيعون أن يتحدثوا عن كل شيء وفي كل شيء.



ففي السياسة يتحدث السياسي وغير السياسي، ومن يعرف شيئا ومن لا يعرف، وفي الاقتصاد يتحدث الجميع بدون استثناء، الفقراء قبل الأغنياء، والمعوزون قبل الأثرياء، وكل يعطيك الرأي المناسب حتى فيما يخصك وفيما لا تستشير به، وقل مثل ذلك في كل ما يخطر على بالك من شؤون الحياة وشجونها. والكلمة هنا ليست موجهة لكل الناس، مع كامل الاحترام للجميع، ولكنها موجهة لمن يعدون من أهل الرأي الذين يكتبون في الصحافة ويتحدثون في القنوات الفضائية وينصحون ويحللون الأحداث ويقولون ما شاء الله أن يقولوا في كل مجال، وفي كل قضية تحدث ولا سيما فيما يعصف في البلاد العربية من أحداث جسيمة وأخطار كبيرة محدقة بنا من كل جانب، مما يجعل سوق هؤلاء المتحدثين في كل شيء سوقا رائجة، وبضاعتهم بضاعة مطلوبة حتى ولو كانت على قول المثل «خذ وخل».



ومع كل ذلك يمكن أن يسمع المرء حديث جاهل متعالم عرف شيئا قليلا وخيل له أنه حاز العلم والمعرفة وتسلح بهما، فهو يقول في كل علم ويتكلم في كل موضوع، ويشرح كل قضية بما يسر الله له من البعد عن المعرفة الحقيقية، وأنت تسمع لهذا وأمثاله من البشر الذين لا بد أن تتعايش معهم وتنصت لهم وتتحمل ما يقولون لعلمك أنهم في براءتهم وجهلهم يتحدثون إلى الناس بما يظنونه علما ومعرفة وإن كان بعيدا عنهما، ولا بد للقارئ أن يصبر على ذلك، لا تصديقا لما يقول بل من أجل أن يرفق به ويعطف عليه. هذا النوع الأول.

أما النوع الثاني فإنسان أصيب بعاهة التكسب بعلمه ومعرفته وذمته ودينه ومواقفه وكل ما يستطيع، لينال شيئا يتطلع إليه مهما كان هذا الذي يريد ويبحث عنه، سواء كان ذلك كسبا ماديا أو كسبا معنويا. هذا الإنسان يظهر على حقيقته أمام الناس ولا يحاول أن يخدع أحدا، هدفه يعلنه ويسلك أقرب الطرق إليه، واضح فيما يذهب إليه، ويعمل ما يخدم أغراضه وما على من أراد لنفسه خيرا من ملام وقد تعذره أيضا.



أما النوع الثالث والمعضلة التي لا يطاق وجودها ولا قبولها أو العفو عنها، فهذا الرمادي واللولب الدائر الذي مع كل حدث يتجه، ومع كل رأي يقول، لا تعرف له لونا، ولا يثبت على موقف، تراه اليوم في أقصى اليمين وغدا تراه في أقصى اليسار، يركب كل موجة، ويعطي رأيا في كل قضية ومناسبة. والمشكلة ليست في سلوكه بصفته فردا متلونا وإلا

لوجدت له عذرا مثل سابقيه، المشكلة الانطباع العام الذي يتركه المتقلب في مواقفه وآرائه لدى المتلقي والقياس عليه.



إن رسالة المثقف وكلمة الحق أمانة لا تحتمل التلون بكل لون والوقوف مع كل موقف، وتثقيف الناس وتوجيههم مهنة شريفة لا بد من المحافظة على صدقها ومصداقيتها ومنع من يحاول العبث بقيمة الكلمة وأمانة تحملها.



Mtenback@