أحمد الهلالي

هيك أضاعوني الصعاليك!

الثلاثاء - 04 يوليو 2017

Tue - 04 Jul 2017

يحكي ليجان السكمري في مجلس ابن ماء الخليج أن غلمانه عثروا على أعرابي ضل الطريق في الصحراء، فأحضروه إليه، فأكرمه وحين تبدل حاله، سأله عن حكايته، فأجاب «أبواب المقادير كثيرة، بعضها بسوم وبعضها غيوم وأنكأها العسوم، كنت راغدا في داري، حافظا أسراري، أرى من الشمس الضياء، ومن الخلطاء الثناء، حيثما حللت قالوا جاء المنير ابن الأمير، فنزغني من النعمة الملل، وزهت لي الأيام البدل، فسريت بليل إلى خيمة أبي، لأغرس خنجري في قلبه، وفي الصباح تلقيت التعازي والتهاني، ومن يومي أصبحت أمير قومي».



يقول ليجان، استفزني خبره، وحيرني مظهره، فاستزدته، فتنهد وقال «غضب أمراء القبائل من حولنا لمقتل أبي، وسمعت أخبارا تغمز جنابي، وتتهم لوثة أعصابي، فكدت لهم، وأضمرت في نفسي أن أجازي ظنونهم، فظللت أتتبع أخبارهم، وأتقصى أسرارهم، فاستملت الصعاليك من قبائلهم والمماليك، وفتحت مجلسي للشعراء الهجائين، وأسبغت النعماء للمجانين، وكنت إذا جالست الأمراء سمعت حفيفا، وعتبا خفيفا، لا يصل الملامة، تخففه ابتسامة، ويمحوه الطيب والكرامة، لاعبتهم زمنا، أغزو في مغازيهم، وأرخص المال في مغارمهم، لكني أجرئ الصعاليك على مراعيهم حرقا وسرقا».



حكمت عشيرتي بمالي، وأخطأت بإقصائهم عن بالي، وجالست قادة الصعاليك، صيرتهم الخبراء والشوراء، فجاء يوم عسير، غم النفس، فاختلطت النجوم بالشمس، والصخب بالهمس، حين جفت الربى، وبلغ غضب الأمراء الزبى، فقطعوا أقدامنا عن ديارهم، وطردوا أغنامنا، وأرضنا ضيقة بور، ليست على صيتها الجهور، وما أغنت الحيل أمام الواقب الجلل، فأشار الصعاليك ألا أخضع ولا أركع، فأقسمت ألا أصغي لمطالب الأمراء، وانقضت الأيام العشرة، فشابت الرضيعة، من هول القطيعة، فدلني الصعاليك على قبائل بعيدة، حقدها على أجدادنا معروف، وخيرها عن ديارنا مصروف، أرسلت إليهم على عجل، فجاؤوني بلا خجل، في قرارة نفسي أشعر منهم بالوجل، لكنه ينام حين شعرت بغيظ الأمراء من الحلفاء.



مضت الأيام غير بعيد، فاختنق الناس، وعلت الأحساس، حتى تعاضدت الأنحاس، فأصبحنا في ديارنا جاثمين، حين فر الحليف والواشي والصعاليك بالمواشي، فتركوا لنا الحسرة والشماتة، ولم يعد للصبر مقام في صدور العقلاء والجهلاء، ووالله ما كنت جزوعا، حتى ثار الجوعى، وحين حمت الحاجات امتطيت فرسي هاربا، فأتبعوني سهما أصاب وركها، نزفت ثلاثة أيام حتى ماتت في متاهة الحظوظ، وسوء تقديري، فأكملت الطريق ماشيا إلى عوسجتكم، ثم تنهد وسقطت دمعة الذل من عينيه، وقال: فهمت الآن عبارة أبي (لست كفأ للزعامة).



تعجب الحاضرون من قصة ليجان، وطرد ضيفه، وهمهموا، فجلس ابن ماء الخليج وقال «لا تعجبوا ولا تلوموا السكمري، فالنفس الخبيثة ملوثة، حتى لو غسلتها دهرا، وأغرقتها عطرا، فلن تطيع إلا كرها وقسرا وقهرا».



ahmad_helali@