السحور الأخير

الاثنين - 03 يوليو 2017

Mon - 03 Jul 2017

كان دوي الانفجار شديدا حيث بلغ مسامعنا ونحن في المكتب على بعد ميلين من الفندق الذي نسكنه سويا، كان مشغولا بشرح تفاصيل العمل مستعجلا في مغادرة المدينة التي لم ترق له، سعيدا بقبولي العمل مكانه لتأسيس مكتب الشركة في كولومبو التي كانت تودع حربا أهلية طاحنة بين الفصيلين التاميل والسنهاليين، الحرب التي أنهكت البلاد ودمرت الاقتصاد الذي يعتمد على السياحة كمورد رئيس.

غادر في صباح اليوم التالي سعيدا بالعمل في القاهرة مودعا زملاء الإقليم، وكان ذلك في منتصف العقد الثامن من القرن الماضي. عرفته قبلها في دبلن زميلا في دورة اللغة حيث سافرنا في برنامج إدارة الفروع الأول إلى إيرلندا لثلاثة أشهر، كان عددنا ثمانية عشر متدربا، لكل منا عالمه وأحلامه وشخصيته المختلفة، سرعان ما تلاشت كثير من الاختلافات بيننا، وانصهرت الفروق واقتربت الأنفس ولا غرو، لقد كنا في قارب واحد نسعى إلى هدف واحد نحو مستقبل واحد في بداية طريق يتطلب منا الجد والجهد والتكاتف.

كان مرحا أحيانا، ساخرا أحيانا، له منطقه الخاص، في كثير من الأوقات يحمل تجربته المختلفة عنا، الأمر الذي جعل من كل التجارب معارف أضافت للجميع الذين قضوا عامين ونصف العام سويا ينتقلون للتدريب على رأس العمل من بلد إلى آخر، ومن دورة دراسية إلى دورة دراسية أخرى.

قين بين دول العالم ومطاراته عمل هو في تايلند ومصر والإمارات، وعملت أنا في باكستان والهند والفلبين، واشتركت معه في تأسيس فرع الشركة في كولومبو المدينة التي استقبلتني بانفجار وودعته به.

وبعد أن تركنا الحياة العملية كانت اجتماعاتنا متقطعة، ولكنه كان حريصا أن يجمعنا على السحور في رمضان، وفي نفس المكان اجتمعنا لسنوات بدعوة منه، يحرص أن يبلغنا قبل دخول الشهر أو في أوله، ويحرص ألا يتأخر في إبلاغنا عن الموعد حتى لا يتعارض ذلك مع المناسبات الرمضانية الأخرى.

وهذا العام جمعنا كعادته، وكان كريما كعادته، مرحا كعادته، إلا أننا لم ندرك، وأظنه لم يدرك كذلك، أنه السحور الأخير.

يرحمك الله يا أبا ساري، لقد غبت عنا في أول أيام العيد، سنذكرك دائما وسنفتقد كرمك ومرحك، ورسائلك في الجروب، داعين لك بالمغفرة ولمن سبق معك من الزملاء غازي وسلمان، عسى الله أن يجمعنا بكم في ظل كرمه وعفوه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال