النفاق التطوعي

الاثنين - 03 يوليو 2017

Mon - 03 Jul 2017

على مدى عقود من الزمن مرت مملكتنا الغالية بمخاض من التجارب والتطورات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم ملحوظ في العديد من المجالات. كل ذلك تم في فترة وجيزة نسبيا، ففي عصر أجدادنا كانت البلاد صحراء قاحلة وأهلها بدو رحل تغلب عليهم الأمية.

إن الفضل بعد الله لهذه النجاحات لا يعود لشخص بذاته بقدر ما هو مجهود لسلسلة من رجال ونساء تعاقبوا وخدموا دينهم ووطنهم واجتهدوا فطوروا، مواطنين كانوا أم مقيمين، فراية التطوير تتنقل من يد إلى أخرى والعمل الجماعي المتكامل هو أساس هذه التنمية وسرها.

رغم عظم النعم التي حبى الله بها هذه البلاد وأهلها إلا أنه يوجد من يقلل منها وينتقص ممن يعمل ويشكك في أهليته ونواياه ويسلط الضوء على القصور القليل متجاهلا النجاحات الكبيرة، فهذا الساخط كالذي ينظر إلى نهر جميل فيقول ما أسوأ طين قاع هذا النهر! هؤلاء ليسوا محور حديثي، بل الحديث عن نقيضهم تماما، ولكنهم يشتركون في نفس الأثر السلبي على المجتمع.

هنا، أتحدث عمن يغالي في وصف نجاحاتنا فيعمينا عن القصور ويعظم بالمديح رموز الحاضر فينسف من سبقهم أو من يعمل معهم. أتحدث عمن لو اطلعنا على مقالاتهم أو قصائدهم لاشمأزت منها قلوبنا ولاقشعرت منها أبداننا من مبالغات وتجاوزات ومغالطات.

إن المبالغة في المدح والمغالاة في الثناء تحلان محل الذم، بل إنهما أسوأ في كثير من الأحيان، فلا الممدوح سعيد بما يقرأ ولا المادح بكاسب احترام القارئ. ومما يزيد الطين بلة أنه لم يطلب منهم كتابة تلك المقالات ولا هم حائزون مكافآت جراء ذلك، وهذا مما يجعلنا نستنكر هذا النفاق التطوعي، إن صحت التسمية.

إن المنافقين المتطوعين آفة على المجتمع وعثرة في طريق التنمية، فهم سبب في تثبيط الهمم ومدعاة لفتن الممدوح وبكل تأكيد فهم يستهزئون بالمتلقي. أقول لهم: كم نهينا عن السلبية والسخط! فنبينا عليه الصلاة والسلام وصى صحابته والمؤمنين من بعدهم بحث التراب في وجوه المادحين، فليتنا نعي خطورة المبالغة في المدح وننبذه من مجتمعنا حتى لو قل. ولنعرف أن مما يساهم في التطور هو الإنصاف في الثناء والنقد. أكرر الإنصاف «فلا إفراط ولا تفريط».

قفلة:

«من لا يشكر الناس، لا يشكر الله» هذه حقيقة تجعلني أسعى دوما لشكر كل من يستحق الشكر ومدح من يستحق بدون مبالغة، فللناس حدود في الثناء أما خالقهم سبحانه فلا مبالغة في مدحه ولا حدود للثناء عليه ولا كفاية من شكره.