الحروب النفسية والاجتماعية

الاحد - 02 يوليو 2017

Sun - 02 Jul 2017

يشن أعداء الأمة حروبا استراتيجية ضارية منذ زمن، وهي حرب لا تكلف الكثير ولا تخلف قتلى بشكل مباشر ولا تريق قطرة دم واحدة من الجهة النظرية، ولكنها تفعل ذلك بكل تأكيد، ولقد لاحظت عددا من المندسين الذين يلقون بقذائفهم الاستراتيجية في تطبيقات التواصل الاجتماعي، وعادة ما ينتهي الأمر باعتذار عن هذا الخطأ غير المتعمد أو ذاك، في حين أن تلك القذيفة تبقى فعالة بكامل مكوناتها التفجيرية.

يشاطر أولئك المندسون جمع غفير من الغوغاء ودهماء الجهال من الناس، ممن لا يقدرون مدى الضرر الاجتماعي والنفسي الناتج عن رسائل مسمومة كهذه، تظهر على شكل نصوص أو حوارات أو مقالات أو مقاطع صوتية أو مرئية أو قصاصات صحفية من إعلام العدو، ذلك العدو الذي يتراقص على جثث المسلمين ويحرق لحى الأئمة والخطباء العزل ويقتلع حناجرهم، ويبقر بطون الحوامل ويغتصب النساء والأطفال، ويتفاخر بالتصفية الجسدية بناء على الهوية والتمثيل بالجثث، وهذه علامات حقد وضعف وقصور ذهني واعتقادي، لي معها وقفة تحليلية تفصيلية في مقام آخر، إن شاء الله.

وتتميز القذائف النفسية والاجتماعية بأنها جاذبة ولافتة وسريعة الانتشار، فهي تأخذ الأشكال التالية:

1. الإشاعات، وهي أكاذيب مختلقة ذات طابع مشوق في سياق محدد وفق ظرفية خاصة، وهي تحدث هزة فورية وإرباكا اجتماعيا سريعا.

2. الأكاذيب المباشرة، وهي تستهدف الطبقة الدنيا معرفيا، إذ لا تميز ما بين الحقيقة والخيال، نتيجة الجهل وغياب الإدراك أو ضعفه.

3. الطرائف أو ما يعرف بالنكات، وهي ذات تأثير خطير، لكونها لا تلاقي معارضة بالغة من الوعي لما تحققه من متعة، ولكونها لا تشكل خطرا واضحا أو تهديدا ظاهرا، فهي تغيب العقل وتلهب العاطفة، وإن لم تصرعك من الضحك، فليس أقل من أن تتركك مبتسما، نتيجة للبلاغة التصويرية الساخرة التي تحويها.

4. المقاطع المفبركة والمجمعة والمركبة، حيث تشد الانتباه، وتدهش الأبصار وتثير الفضول، مما يجعلها مقبولة عند السواد الأعظم، وهي تثير استياء القليلين في العادة، ما لم توجه لها الأنظار.

5. المقاطع الصوتية، وهي ذات تأثير ذهني عميق، حيث تفتح بوابة الخيال البصري على مصراعيها، لغياب الصورة، وترك الأحداث المترتبة على النص السمعي ليتولاها الخيال المجنح للمتلقي.

6. قصاصات صحافة العدو، وخطورتها في عناوينها لا في مضامينها، فالعنوان غالبا ما يلخص الرسالة ويحقق الهدف الحقيقي من الغاية المستترة أو المعلنة لنص المقال أو الموضوع أو التخطية، فقراءة العنوان كفيلة باستقبال القذيفة الذهنية من قبل المتلقي.

ما يمز الحروب النفسية والاجتماعية ما يلي:

1. سهولة تصنيعها، فمع أن الأمر لا يخلو من تعقيد علمي في البنية الواعية للقذيفة النفسية، إلا أنه يمكن للظرفاء والممارسين صناعتها بشكل عشوائي.

2. الوصول إلى الهدف دون عوائق تذكر، فالخصائص السابقة يصعب التخلص منها، لأنها تستهدف اللا وعي بالدرجة الأولى.

3. عدم وضوح مصدرها، بل وحتى العجز عن تتبعه غالبا، ما لم يتم الولوج إلى المصفوفة التي انطلق منها، وهنا أحيلك للضرورة لمراجعة مقالي المطول (المصفوفة)، حيث يمكن تتبع البصمة الالكترونية للمصدر الأول، وهذا يكون على يد مختصين، بينما يبقى الأثر المجتمعي لهذه القذيفة ضارا وفعالا إلى حد كبير.

4. يتم ترويج هذه القذائف عبر مندسين، أو مخترقين لأنظمة المصفوفات في إطارها الالكتروبشري، وغالبا ما يكون النشر عشوائيا ضمن دهماء الغوغاء من العوام والجهال والقاصرين، فتتعقد الشبكة. إن التحليل الاتصالي الفني يمكنه أن يفرز المندس من الإمعة من الناس.

5. عادة ما يسهل التملص منها بالاعتذار عن الخطأ في إرسالها بأي عذر كان، وهذا مسلك يسلكه المندسون - غالبا - في المجتمع المستهدف عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي التي سهلت عملية اختراق المجتمعات من الداخل، دون الحاجة للمباشرة الحسية له.

6. تتوفر في تطبيقات التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية عوامل التستر وتوفر هذه البيئة الملائمة للداعمين والراعين لعمليات الهجوم النفسي والاجتماعي من مندسين يقومون بأدوار لوجستية الكتروبشرية.

هذه الميزات وتلك الخصائص، تسهل عمل المبادرين والمندسين والمتسترين والداعمين، لتحقيق الأثر في المجتمعات المستهدفة، وحيث إن هذه القذائف متى انفجرت فإن أثرها لا يتوقف عادة، إلا أن الوقاية خير من العلاج، فالوقاية منها تكون بالتالي:

1. زيادة الوعي الفكري ورفع مستوى الشفافية، ما بين الحكومات والشعوب المستهدفة، فيما لا يضر بالأمن القومي والمصالح الاستراتيجية.

2. رصد الشائعات على مستوى البناء الذهني وقبل إطلاقها، عبر متابعة التوجيه الإعلامي للعدو عبر وسائط الإعلام الجديد.

3. تشكيل خطوط وقاية تحليلية من الخبراء العلميين، وتمكين العلم من أخذ دوره في الوقاية أثناء الحروب والتوترات السياسية، وتقييم وتقويم المواقف للأنشطة الإعلامية السياسية بالدرجة الأولى.

4. رصد الممارسات المشبوهة عبر التعاون المجتمعي الأمني، وفق معايير يتم بثها في المجتمع، لتحقيق الوقاية الذاتية.

5. إيقاع العقوبة الشرعية بالمدانين في تورطهم في حروب نفسية واجتماعية تضر بأمن واستقرار البلاد وتخلخل توازن الأمة.

6. تحقيق الانسجام في الاستراتيجيات المشتركة للبلدان المجاورة لحماية الأمن المشترك، فالحروب النفسية الاجتماعية عادة ما يتم توجيهها تجاه بلد منفرد لتسهيل عملية التفكيك للكيانات المتعاونة أو المنسجمة أو المندمجة.

ولكي نلخص الأمر، فإن هدف هذه الحروب هو خفض المعنويات وإضعافها، ليكون الإضرار ذاتيا داخليا، فيسهل الانقضاض من الخارج، فهي حرب قاتلة بكل ما تحويه الكلمة من معنى.

الأكثر قراءة