محمد أحمد بابا

الليبرالية بين الفتنة والحاجة

الجمعة - 30 يونيو 2017

Fri - 30 Jun 2017

فتن الناس في حرية الفرد وإطلاق الاختيار له فيما يشاء حيال فكره وأخلاقه وممارساته ومعتقده وضميره، حتى أضحت (الليبرالية) شأنا من شؤون السياسة والفكر والعمل الاجتماعي، بل وشكلا من أشكال التوجهات المؤسسية والجماهيرية نحو بيئة يظنها قوم شحنة التحفيز نحو النجاح في الحياة الدنيا، ولا شك بأن موضع ألم الناس الذي يوجعهم دوما وهما أو صدقا هو (الحرية) لتكون فتنتهم في (الليبرالية) أوسع وأشمل لم يسلم منها واقعهم ولا عيشهم ولا دينهم الذي هو مناط نجاتهم يوم القيامة.



والفتنة الواضحة الجلية التي يعيشها كل مجتمع عاش ردحا من الزمن أقرب لوسم المحافظين لا تفتأ تذكي فتنا أكبر من كل نوع تنافح عن افتتان أعظم من كل حدب وصوب، والفتنة تجاه (الحرية الشخصية) عوان على فتنة (القدرية) في العصور الإسلامية السابقة وفلسفة التخيير والتسيير للإنسان، مما حدا بقوم أنكروا القدر ففتنوا، وقوم ادعوا على الله ـ ظلما ـ بمحاسبته لخلق هو مقدر أعمالهم ففتنوا، وقوم احتاروا وسكنوا بين التشويش وعاطفة العبودية ففتنوا، وفئة أبقاها الله منصورة ناظرة بعناية الله للحق الذي جاء في القرآن منثورة في أرض الله قد لا يعلمهم كثير من الناس.



وفتنة اليوم زينت للناس حرية السلوك بابتداء الفعل، لكنها فتنتهم لتجعل القبيح جميلا، وحرضت الناس على حرية الاعتقاد ابتداء وتغييرا، لكنها فتنتهم حتى بدلوا دينهم، وشجعت السفهاء على الإساءة لكل شيء وأي شيء باسم حرية التعبير، لكنها فتنتهم حتى سبوا ربهم وكتابهم ورسولهم ـ والعياذ بالله ـ ومدار الفتنة أن مبدأ (الليبرالية) القائم على حرية الفرد في نفسه ما لم يؤذ الآخرين، اختزله بعضهم في الشطر الأول دون الثاني.



ينجي الناس من فتنة في حرية الفرد والاختيار أن يعلموا بأن الله تعالى قال {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا}، وقال {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}، وحيث فهم هذا فانتفاء العبث يلزم منه تنظيم الحرية، وإلا لكان التكليف ضربا إما من الظلم أو اللعب، وحاشا لله أن يكون دينه بإحدى هاتين الصفتين.



ومن المعلوم بأن هذا السرد لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، أما إنسان آخر غير ما نعهده في المسلمين فتنظيماته واعتقاداته وفكره يعنيه، ما لم يتجرأ على ما ندين الله به وأن يمنعنا من الحق في الحياة، والإسلام الذي جاء بتوجيه الحريات مع ترك الحرية الأساسية بقوله تعالى {لا إكراه في الدين} لم يأت لتكون الفوضى على المستوى الشخصي متحكمة في مصير الناس، وإلا ليركب بعض ظهور بعض باسم الحرية، ولم يتجرأ أحد أن يسألهم «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».



وعلى الناس أن يعلموا بأن من يدعي حرية ليسوق لفاحشة أو يروج لكفر أو يفجر فتنة فهو الظالم لنفسه ولمجتمعه، والمغضب لربه الذي أمره في قرآنه فقال «وقولوا للناس حسنا».

ولن ينجي الناس من فتنة «الليبرالية» إلا أن يعودوا لفهم مبدأ «الليبرالية» في أساس نشأته منذ القرن الـ16 الميلادي، ويعلموا بأن وجوده بناء على ردة فعل للحروب الدينية في أوروبا حتى قنعوا بأن رضا المحكوم بالحاكم مبدأ السلطة أمر يخصهم وفق واقعهم، ففعلوه ونشروه واستفادوا منه في مجتمع احترم فيه واحدهم حرية جماعتهم، وجماعتهم احترمت حرية واحدهم، فكيف بمؤمن كفل له الله حرية وفق احتياجاته التي خلقها فيه إبان خلقه ليعبده، فلزوم الناس دينهم يغنيهم عن تحريف مبادئ آخرين ليستسيغ المسلم العربي طعمها بعد أن استنسخ شرها فقط.



@albabamohamad