الثروة الحقيقية للمملكة

الأربعاء - 28 يونيو 2017

Wed - 28 Jun 2017

إن مقياس تقدم الدول اليوم ليس بما تملكه من أموال أو موارد طبيعية لكنه بما تنتجه وتقدمه لشعبها ولشعوب الدول الأخرى، وقد اعتمدت الدول المتقدمة في نهضتها على العنصر البشري لأنه يمثل الثروة الرئيسية لأي بلد متقدم، فالمال والموارد الطبيعية رغم أهميتهما إلا أنهما ليست لهما قيمة دون البشر، فلا شك في أن الموارد البشرية تعتبر شرطا أساسيا لتحقيق أي تنمية شاملة، فالدولة التي لا تهتم إلا بمواردها الطبيعية لا يمكنها أن تلحق بالدول المتقدمة مهما امتلكت من أموال، وخير شاهد على ذلك هو وجود العديد من الدول التي تتوفر لديها الموارد الطبيعية والبشرية، ورغم ذلك ما زالت في مؤخرة الأمم نتيجة محاولات استثمارها في الحجر أكثر من البشر.

إن هناك بعض الدول التي تمتلك موارد طبيعية بسيطة ومع ذلك فهي دول متطورة للغاية، فسويسرا مثلا لا تمتلك أي موارد طبيعية سوى شلالات مائية، وبريطانيا التي كانت أكبر قوة اقتصادية في العالم لم تكن تمتلك سوى بعض الموارد القليلة قبل اكتشاف النفط ببحر الشمال، واليابان لا تمتلك سوى كميات متواضعة من الفحم، ومع ذلك استطاعت تلك الدول تحقيق تنمية كبيرة جعلتها في مصاف الدول المتقدمة نتيجة اهتمامها بالعنصر البشري، إن الاستثمار في البشر في بعض الدول هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق التنمية الاقتصادية، ولذلك تنفق الدول المتقدمة 2-3% من إجمالي ميزانيتها العامة على البحث والتطوير خلاف الميزانية الخاصة بالتعليم، حيث ثبت وفقا لبعض الدراسات أن كل دولار يستثمر في التدريب يعود على الدولة بعائد يقدر بـ30 دولارا.

من الممكن أن يكون تقدم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أمرا منطقيا لأنها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لكن من غير الطبيعي أن نجد من بين الدول المتقدمة دولا مثل ألمانيا واليابان لأنهما الخاسرتان في الحرب، وهذا يرجع إلى الاهتمام بتعليم وتدريب الموارد البشرية، ولك أن تعلم أن الصين من الدول التي كانت تحسب على الدول المتخلفة «النامية» إلى حد قريب للغاية، وكان من الصعوبة أن تحقق أي تقدم وفقا لبعض الاقتصاديين بسبب أن الكثافة السكانية التي وصلت لـ1.3 مليار نسمة ستعرقل أي جهود للتنمية، ولكنها استطاعت أن تحول هذا العائق لوسيلة للتقدم، وهذا من خلال الإخلاص والعلم وتدريب الموارد وتأهيلها لسوق العمل، حتي أصبحت نسبة مساهمة رأسمال الموارد البشرية في الاقتصاد الصيني 35% في الصين مقابل 75% في الدول المتطورة.

ومما لا شك فيه أن الاستثمار في العنصر البشري بكوريا الجنوبية هو السبب الرئيسي لتقدمها بعدما كانت تعاني في الستينيات من أوضاع اقتصادية سيئة للغاية،

وبفضل التنسيق والتناغم بين المخرجات التعليمية والسياسات الصناعية ارتفع العائد المادي والمعنوي للاستثمار بكوريا الجنوبية بشكل كبير للغاية، وفي خلال السنوات الـ30 الأخيرة سجل الإنفاق على البحث والتطوير ارتفاعا متواصلا من 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.5%، كما ارتفع عدد الباحثين لكل 10 آلاف شخص من 3.5 في أواخر السبعينيات إلى 60، واستطاعت كوريا الجنوبية أن تنتقل بمستوى دخلها للفرد السنوي من أقل من 100 دولار في بداية الستينيات، لـ28 ألف دولار حاليا،، وارتفعت احتياطات كوريا من العملات الأجنبية من 800 مليون دولار عام 1998 لـ305 مليارات عام 2011 وتحتل كوريا المركز العاشر على مستوى العالم من حيث حجم الصادرات وحققت فائضا في الميزان التجاري بلغ 48.4 مليار دولار عام 2010.

وفي تناقض تام مع التجربة الكورية، أنفقنا مبالغ هائلة في مجال تنمية الموارد البشرية، إلا أننا ركزنا على رفع مؤشرات الالتحاق للتعليم دون وجود تنسيق بين السياسات الصناعية للبلاد وبين المخرجات التعليمية التي ننفق عليها المليارات، أما ما نملكه من موارد بشرية قليلة عالية الكفاءة في الداخل والخارج، فيلتحقون بمناصب بيروقراطية نظرا لجاذبيتها المادية والاجتماعية عند مقارنتها بالوظائف العلمية، إن إشكاليتنا ليست في إيجاد سياسات صناعية قادرة على النهوض ببلادنا والالتحاق بالدول المتقدمة، ولكنها في المحاباة والمحسوبية التي يرجع البعض إليها في بعض التعيينات.

وأخيرا يجب أن أؤكد أن الزيادة في رأس المال المادي لن تؤدي إلى عملية التنمية الاقتصادية المنشودة للبلاد، إذا لم تتم زيادة الخبرات والمعرفة بنفس المعدل على الأقل، وهذا لن يحدث سوى بالاستثمار الأمثل في العقول.. وتوفير الخبراء المحليين بدل الاستعانة بالخبراء الأجانب لمحاكاة أحدث ما وصلت إليه الدول المتقدمة من اختراعات وبالتدريج للوصول إلى اختراعات خاصة بنا تنهض بمواردنا البشرية.