تحديات الثورة الصناعية الرابعة

الخميس - 22 يونيو 2017

Thu - 22 Jun 2017

في البداية يجب أن تعلم أن الثورة الصناعية الأولى بدأت مع اكتشاف العالم طاقة البخار في تحريك الأشياء، والثورة الصناعية الثانية تمثلت في اكتشاف الكهرباء ودورها في تحريك الآلات، وفي سبعينات القرن العشرين انطلقت الثورة الثالثة مع الكمبيوتر وانتهت بالانترنت، والآن يمضي العالم إلى الثورة الصناعية الرابعة المعروفة بثورة الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي. فإذا كانت الثورة الصناعية الثانية أزاحت العربة التي يجرها الحصان وعرف الإنسان السيارة، فإن الثورة الرابعة تذهب إلى مدى أبعد من ذلك بكثير فستغزو مناطق كانت تعد مجالا حصريا لعمل العقل البشري، مثل التفكير والتحليل، والقدرة على الحكم على الأشياء.

ويقدر العلماء أن حجم المعرفة الإنسانية في بدايات القرن العشرين كان يتضاعف كل قرن ونصف، وبعد الحرب العالمية الثانية كان يتضاعف كل ربع قرن، وفي التسعينات من القرن الماضي يتضاعف كل عشر سنوات، أما الآن فإنه يتضاعف كل سنة ونصف السنة، ويقدر أنه سيتضاعف قريبا كل 12 ساعة تقريبا. أي إن المعرفة المتولدة خلال السنوات القادمة ستتضاعف مرتين كل يوم عند الإنسان منذ بداية التاريخ المسجل لبدء هذا الانطلاق المبهر.

ومن دلالات دخولنا الثورة الصناعية الرابعة أن أكبر شركة تأجير سيارات في العالم» أوبر»، لا تملك سيارة واحدة، كما أن «الفيس بوك» الذي يعتبر أشهر مؤسسة إعلامية في العالم لا يمتلك صحيفة أو قناة فضائية واحدة، كما أن أكبر موقع لخدمات الإسكان في العالم airbnb لا يملك شقة واحدة، وأكبر موقع بيع تجزئة في العالم «موقع علي بابا» لا يملك مصنعا واحدا.

إن الثورة الصناعية القادمة سيعمل فيها الذكاء الاصطناعي بجانب الذكاء البشري، وسيطرد الإنسان الآلي الإنسان من بعض الوظائف والأعمال التقليدية. وهذا يعني أننا إذا لم نطور تعليمنا لزيادة مهارات شبابنا فإننا نتجه إلى عصر البطالة لا محالة.

ولك أن تعلم أن هناك خلافا بين العلماء حول الآثار المحتملة للثورة الصناعية الرابعة، فهناك من يرى أن 47% من الوظائف التي نعرفها اليوم سوف تختفي قريبا، وهناك من يتحفظ على هذا التقدير ويرى النسبة في حدود الـ 9%، لكن بحسب ما ذكر بمنتدى الاقتصاد العالمي بدافوس مؤخرا فإن نحو 30% من المهارات الأساسية للوظائف اليوم سوف تتبدل خلال ثلاث سنوات فقط بحلول 2020. وفي مارس عام 2016 قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما «إن الإنسان الآلي سيحل محل الإنسان البشري في (50%) من الوظائف عام 2030، ووقتها سيكون ملايين الناس بلا عمل»! وهذا يعني أن الإنسان الآلي سيحل محل الإنسان البشري في الكثير من الأعمال، وسوف يقتصر العمل لمن يمتلكون مهارات عالية، ولذلك لا بد من إعادة النظر فيما يدرس في مدارسنا وجامعاتنا بشكل سريع للغاية.

الأكيد أن بلدا كالمملكة في حاجة ماسة لكي يجهز نفسه للتعامل مع الثورة الصناعية الرابعة، فإذا كانت المجتمعات المتقدمة تعد نفسها لسوق عمل مختلف من خلال مبدأ «التعلم مدى الحياة»، فنحن في حاجة أكبر لتدريب العاملين بشكل مستمر، ومساعدتهم على التكيف مع بيئة العمل المتغيرة خلال الفترة القادمة، خاصة أن التعليم الذي نقدمه ما زال جوهره معرفة بعض الحقائق واستظهارها، ومثل هذه المهارات لا وجود لها تقريبا في عصر الثورة الصناعية الرابعة.

إن الثورة القادمة ليست شيئا يحدث بعيدا عنا، وستصل إلينا كما وصل إلينا أول منتجاتها المتمثل في هاتف الاندرويد الذي أصبحنا لا نستغني عنه وأصبح جزءا من أيدينا. والقادم سيكون أكثر عجبا!

وأخيرا فإن قوى التغيرات التي تواجهنا عميقة ومعقدة ومترابطة، ونحتاج إلى إعادة هيكلة التعليم بشكل جذري لكي نستطيع أن نتعامل مع الثورة الصناعية القادمة، بل لا أبالغ إذا قلت إننا في حاجة إلى إعادة تعليم ما تم تعليمه من خلال إعطاء دورات تدريبية في مدة قصيرة لكي يستطيع المواطن التعامل مع متغيرات العصر الحالية والقادمة. إن الأمم الأقل استعدادا للاستجابة للمتغيرات التكنولوجية والثقافية والعلمية هي أكثر الخاسرين في عصر الثورة الصناعية الرابعة، والأمم التي لديها استعداد لهذا العصر ستكون أكثر الرابحين.