الإفطار الرمضاني بالمطاعم

الخميس - 22 يونيو 2017

Thu - 22 Jun 2017

ربما يتفق معي الجميع أن نمط العائلة السعودية قد اختلف في السنوات الماضية، كالسفر والتسوق والأكل بالمطاعم، ومنه الإفطار الرمضاني، ولي شخصيا في هذا العام تجربتان مع عائلتي، حيث كانت الأولى في إحدى البوفيهات الشهيرة على ضفاف البحر.

ولا يمكنني، كمتخصص في الانثروبولجيا «علم تتبع سلوك الأفراد لمعرفة توجهات المجتمع»، إلا وصف التجربة بالناجحة، حيث كانت الأجواء رائعة ابتداء من قراءة القرآن بصوت شجي قبل الأذان بوقت طويل، وانتهاء بضيافة المطعم.

وقد صاحب التجربة بعض السلبيات الموجودة للأسف في المجتمع، والتي سأركز عليها في وصفي بالتجربة الثانية، حين قررت مرة أخرى الإفطار بمطعم شهير يقل بـ 50% من تجربتي الأولى، حيث أغراني السعر وقررت خوض التجربة، ولن أتحدث عن جودة الطعام، لأن كل ما أعنيه هو سلوك الناس لأستدل بمستوى ثقافتهم وتحضرهم، وكم آلمني ذلك الهجوم العنيف على بوفيه الإفطار، والأسوأ هو عدم التزام الحضور، وخصوصا العنصر النسائي، بثقافة الطابور بعكس الرجال الذين كان حالهم أفضل، ولكنه لا يختلف كثيرا عن حال قائدي السيارات حين يتزاحمون في «اليوتيرن» أو يغيرون المسار في كل دقيقة حرصا على التقدم خطوة، وهم بتصرفهم هذا يلحقون الضرر بالجميع.

وبالعودة إلى الإفطار لم أجد الجواب لسؤال راودني وهو: كيف لمثلي أن يمنع «المدرعمات» إلى الصواني! ومن جانب آخر رأيت برودة في تجهيز الطبق مما يؤكد المقولة الشهيرة «أنا ومن بعدي الطوفان» مصاحبا لفكرة امتلاء الأطباق عن بكرة أبيها، وكم هو مؤلم منظر الطعام المتبقي في الصحون بعد الفراغ من الإفطار، ما يؤكد أن المملكة أعلى دولة في العالم من حيث هدر الطعام.

لا أريد أن يشعر القارئ بمزيد من الأسى والحزن لتصويري لبعض المشاهد عن واقعنا المؤلم، ففي حين أننا في خير وسعة ولله الحمد، وأن أقل عائلة تكلفت في هذا الإفطار مبلغ ثلاثمئة ريال أو أكثر، وفي نفس الوقت نرى سلوك المفطرين وكأنهم في مجاعة، ويصاحب ذلك نزول في المستوى الثقافي والأدبي، بل وحتى الديني، فمن ذا الذي لا يعرف أهمية حفظ النعمة وثقافة الطابور وحسن التأدب مع الناس!

أكاد أجزم بأن أغلب الحاضرين والحاضرات يستطيعون التنظير فيما سبق، ولكنهم لا يستطيعون التطبيق إلا فيما ندر! اليوم نحن بحاجة لتغيير جذري لكل مظاهر الإسراف، ولن يتم ذلك ما لم نتعاون بجهود موحدة ابتداء من جهود حكومية بسن القوانين، ومرورا بالدور الأهم لمؤسسات المجتمع المدني التي يكاد تكون غائبة مثلما هو الحال للقطاع الخاص! اليوم يجب أن نكون يدا واحدة ونسهم بكل ما نستطيع لنشر ثقافة الطابور وحفظ النعمة وحس المسؤولية، ففي حين أننا تحركنا نوعا ما في نشر مقاطع الإسراف والتبذير على سبيل المثال إلا أنه يجب علينا الآن أن نقوم بترجمة كل ما نرسله ونؤمن به، وألا نكتفي بإرسال المقطع!